جفرا نيوز -
بشار جرار
تعمّدت إرجاء الكتابة حتى التحقق مما هو شبه مؤكد -وقد صار- وهو فشل التصويت الحادي عشر على مشروع قانون تقدم به مشرعو الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، لإنهاء ما صار الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ أمريكا من حيث شموليته وعدم انقطاعه، والثالث في تاريخ بلاد العم سام من حيث عدد الأيام، بحسب مايك جونسون رئيس مجلس النواب.
الفشل «الإدعشري» باللهجة الشامية التي عرفها الجمهور العربي الذي تابع بشغف المسلسل السوري «باب الحارة»، ذلك الفشل الحادي عشر تكرر لعدم قدرة الجمهوريين على استمالة خمسة أصوات يحتاجها لتمرير المشروع، من أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين، أو إقناع زعيم الأقلية الديموقراطية السناتور تشاك تشومر بالتراجع عن قراره -تحت ضغط يسار الحزب وخاصة منافسته المرتقبة النائبة ألكزاندريا أوكاسيو-كورتيز المعروفة اختصارا ب «إيه أو سي».
معلوم أن كثيرا من النواب يهاجرون إلى مجلس الشيوخ وفقا لحسابات تكون أحيانا حزبية في لعبة الأرقام التي يحتاجها الحزب لتشكيل قوة الأغلبية أو القوة المناكفة أو «التعطيلية» للخصم في أحد المجلسين، وفي بعض الأحيان لأسباب شخصية، تتعلق بالطموح السياسي الشخصي.
قد تبدو المسألة شأنا أمريكيا خالصا. وقد يرى البعض في تفاصيل أسباب الإغلاق الحكومي ورفض الحزب الديموقراطي لمشروع قرار مالي بحت يتعلق باستمرار الإنفاق على ما تم الاتفاق عليه مسبقا في الميزانية، فيما يعرف ب «كلين سي آر» بمعنى قرار مواصلة الإنفاق «النظيف» الخالي من أي إضافات أو اشتراطات لكلا الحزبين- قد تبدو القضية كلها أخبارا أمريكية أو عالمية بعيدة عن الاهتمامات الوطنية أو المحلية، لكنها في حقيقة الأمر ذات تداعيات وارتدادات مالية اقتصادية، وحتى سياسية أمنية.
من القضايا الرئيسية موضع الخلاف، سياسات تعني الدول الغنية والنامية على حد سواء منها: أولويات الإنفاق، مسوغات الاستثمار الذكي محليا وخارجيا، وهو أمر مرتبط بمصادر التمويل والاستثمار، لذلك يتباهى ترمب الآن بأنه -ومع نهاية العام- قد يرتفع الرقم الحالي من سبعة عشر تريليون دولار إلى عشرين تريليون وتزيد..
الخلاف على أشده في كيفية التعامل مع الترهل والفساد -والهدر من أخطر أشكال الفساد- في ملف الصحة العامة والتأمينات الصحية والاجتماعية، وكذلك على قضية أمن الحدود، وتأمين البلاد من الإرهابيين والمجرمين خاصة تجار الموت، تجار الوهم، تجّار اللذة الخدّاعة القتّالة، تجار السموم المسماة المخدرات.
ليت بعض الأخبار المترجمة والمتداولة في بعض منصات الإعلام التقليدي والجديد أو المتجدد، ليتها تفسح مجالا ولو حتى هامشا نحيلا تطرح فيه تساؤلات تعنينا جميعا بدل من «تسييس» كل شيء، منها كيف تكون بلادك كناخب، مديونة بسبعة وثلاثين تريليون دولار وتنتخب نائبا أو شيخا (سيتاتورا) أو حاكم ولاية أو مسؤولا أو وزيرا في حكومة تواصل هدر مقدرات البلاد، تنفقها «بسخاء» من مال دافعي الضرائب على من تسللوا أو التفوا على قوانين وتأشيرات الزيارة أو الدراسة أو العمل أو -وتلك قضية أكثر خطورة- الزيجات لغايات التجنيس، وبعضه صار مكشوفا على نحو فاضح كشكل من أشكال النصب والاحتيال على من كان بينهم «ميثاقا غليظا»، الزواج.
«الإدعشري» في هذا الإغلاق هو مجرد رقم تسلسلي، لكن الشخصية التي أبدع في تشخيصها الفنان السوري القدير بسام كوسا بارك الله في عمره، تكاد لا تغيب عن محفل أو بازار أو كارتيل! الإدعشري ومن قبله «الدوغري»، شخصيات لا تغيب عن البال، في محاولاتها خداع الجمهور واستغلال أصواته أولا، ومن ثم قوته وقوت أحفاد أحفاده، فثمة من يصر على إنفاق تريليون ونصف تريليون دولار على فاتورة علاج من هم ليسوا بمواطنين، أي بحسب الثقافة الأمريكية، شركاء في المغنم لا المغرم كدافعي ضرائب ومسددي ديون غيرهم!