النسخة الكاملة

وزارة الإدارة المحلية.. بين مسؤولية الواقع وكلفة الرحمة

الخميس-2025-10-16 11:43 am
جفرا نيوز -
محمد علي الزعبي

كثير من الأصوات ترتفع اليوم لتنتقد وزارة الإدارة المحلية في قضية الكلاب الضالة، وكأنها تمتلك عصًا سحرية لحلّ معضلة تراكمت عبر سنوات طويلة، وتشابكت فيها الأبعاد القانونية والمالية والإنسانية. غير أن المنصف حين يقترب من تفاصيل المشهد، يدرك أن الوزارة لا تتقاعس، بل تكابد أعباءً مالية وإدارية تفوق طاقة البلديات، وهي تحاول أن توفّق بين واجبها في حفظ الأمن الصحي للمواطن، ومسؤوليتها الأخلاقية في التعامل الإنساني مع هذه الكائنات.

إن تكلفة إنشاء حضائر أو ملاجئ لإيواء الكلاب الضالة ليست بالأمر الهيّن، فهي تحتاج إلى أراضٍ مخصصة، وإدارة يومية، ورعاية بيطرية وغذاء، وكل ذلك يقع في ميزانيات بلدية محدودة تُثقلها رواتب العاملين وأجور الخدمات الأساسية. فكيف يمكن لبلدية صغيرة، بالكاد تغطي نفقاتها التشغيلية، أن تنشئ وتدير مأوى يليق بمعايير السلامة والرحمة؟

ومع ذلك، يمكن التفكير بواقعية في حلول عملية تُخفف الكلفة وتزيد الفاعلية، من خلال التكامل البلدي، بحيث تتفق كل ثلاث إلى خمس بلديات متقاربة على إنشاء مأوى مشترك في موقع متوسط جغرافيًا، يتم فيه جمع الكلاب الضالة وإيواؤها ضمن بيئة مراقبة، مع توزيع النفقات التشغيلية والكوادر الإدارية والبيطرية بالتساوي. هذا التعاون ليس فقط حلًا ماليًا، بل هو تعبير عن روح العمل الجماعي والمسؤولية المشتركة التي تتطلبها المرحلة.

أما في الجانب الغذائي، فإن الواقع يفرض التفكير بعقل اقتصادي لا يهدر الموارد، إذ يمكن للبلديات الاستفادة من مخلفات المسالخ وبقايا اللحوم الصالحة غير المستخدمة كمصدر غذاء لتلك الكلاب، بعد تنظيم العملية صحيًا، وهو ما يوفّر جزءًا كبيرًا من التكلفة اليومية لإطعامها، ويحول دون إهدار مواد يمكن إعادة تدويرها ضمن دائرة بيئية سليمة.

إن وزارة الإدارة المحلية اليوم تعمل في مساحة حرجة، بين ضغط الرأي العام وندرة الموارد، وبين مطالب الرحمة ومتطلبات الصحة العامة. وما تحتاجه الوزارة ليس المزيد من الانتقاد، بل الدعم والشراكة من المؤسسات الأهلية والجمعيات البيئية والجهات التطوعية، لتتحول المعالجة من مشكلة محلية إلى قضية وطنية تُبنى على الوعي والتكامل لا على التوبيخ والاتهام.

لقد آن الأوان أن ننظر إلى قضية الكلاب الضالة بعين العقل لا العاطفة وحدها، وأن ندرك أن الإدارة المحلية لا تمتلك ميزانيات مفتوحة ولا فرقًا متخصصة بعدد كافٍ، لكنها تمتلك إرادة العمل والتطوير متى وجدت الدعم والإنصاف.

فالقضية ليست مجرد كلاب تجوب الشوارع، بل هي اختبار لوعينا الجمعي، ولمدى قدرتنا على تحويل الانتقاد إلى اقتراح، والشكوى إلى شراكة، والمشكلة إلى فرصة إصلاح وتنظيم.

ومن موقعي كإعلامي أتابع المشهد عن قرب، أجد أن وزارة الإدارة المحلية تستحق الإنصاف لا القسوة، فهي تواجه واحدة من أعقد القضايا التي تمس حياة الناس اليومية، دون أن تمتلك ترف الموازنات أو وفرة الموارد. إن الوزارة لم تُهمل الملف، بل تعاملت معه بجدية وبما يتاح من إمكانيات، في ظل واقع بلدي يعاني أصلًا من ضغط الخدمات وتعدد الأولويات. لذلك، فإن من الإنصاف أن نقول: ليست المشكلة في الوزارة، بل في غياب الوعي المجتمعي بالشراكة والمسؤولية الجماعية. فحين تتكامل الجهود بين الدولة والمواطن والبلديات، يمكن أن يتحول هذا التحدي إلى قصة نجاح تُروى عن إدارة محلية تعمل بصمت، وتؤمن أن رحمة الكائنات لا تنفصل عن كرامة الإنسان.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير