جفرا نيوز -
بشار جرار
لا خير يأتي من الفوضى أبدا. التحلل من قيود المنطق ومراعاة مقتضيات المناسبة واعتبارات الحضور، يحول العفوية المحببة للناس إلى شكل من أشكال الفوضى التي لا تسلم من الآثار المدمرة ليس فقط لقواعد الاتصال ورسائل التواصل بل لجسور قد تكون قائمة منذ سنين تكلفت جهدا تراكميا فرديا وجماعيا ومؤسسيا.
يعتمد من يسمون الشعبويون عادة العفوية كأسلوب لإظهار أنهم يتحدثون من القلب إلى القلب. يتبعون ذلك أحيانا بتفاصيل مساندة تتعلق أحيانا بالمظهر وأحيانا أخرى بالمحضر وهو الأهم. قلما اعتمد الشعبويون اليمينيون أو المحافظون العفوية التي تثير حفيظة قواعدهم الانتخابية فيراعون حساسياتهم ولا يقتربون من أولوياتهم أو حرماتهم. حتى الحفلات والنشاطات الخاصة بجمع التبرعات أو جولات التحشيد والحصاد الانتخابي تراعي أدق التفاصيل الخاصة بالهندام رجالا ونساء. أمريكيا يعد المرشحون للعشرة قبل اتخاذ القرار المناسب في اختيار وسيلة الإعلام المناسبة للحديث عن موضوع ما خاصة إن كان ذا حساسية عالية من حيث الولاية وحتى المقاطعة والتوقيت ومدى قربه مثلا من يوم الاقتراع المبكر أو عطلة فدرالية أو مناسبة دينية وطنية.
ارتفعت في الآونة الأخيرة لأسباب موضوعية وقد تكون ذاتية أيضا، ارتفعت وتيرة التصريحات والحركات والإيماءات العفوية للرئيس الذي لم يسبقه أحد في الخروج عن المألوف في عالم السياسة والذي ما زال يفاخر بأنه الآتي إليه من عالم المال والأعمال والعقارات والصفقات. ترمب اضطر بعد أقل من أربع وعشرين ساعة توضيح إجابة بدت تلقائية تتعلق بقيام حماس بشن عمليات إعدام ميدانية في غزة وسارع إلى مقارنته بتعامل أمريكا مع عصابات عتاة المجرمين كالقادمين من فنزويلا، وذلك بحضور ضيفه في البيض الأبيض الثلاثاء، المعروف بترمب الأرجنتين أو ترمب أمريكا الجنوبية، الرئيس خافيير مِلّيْ الساعي إلى ولاية ثانية تحت الشعار نفسه «ماغا» لكن اختصارا لشعار: لنجعل الأرجنتين عظيمة مجددا»!
أكثر ما يخشاه مؤيدو ترمب خاصة من قاعدته «ماغا» أن يجمع الخصوم داخليا وخارجيا عفوية الرئيس الخلاّقة بما يوظّف لإحداث «فوضى خلّاقة» ثمة من يمتلك خبراتها الهدّامة لإحداث فوضى توظّف لصالح الديموقراطيين في الانتخابات المقبلة والتي لا تقتصر في 2026 على تجديد مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب بل وبعض السباقات الهامة كانتخابات حكام ولايات مهمة من بينها فيرجينيا وعمد مدن بارزة أمريكيا وعالميا كمدينة نيويورك التي تقترب من المرشح الذي وصفه ترمب بالشيوعي زُهران مَمْداني المهاجر الذي حصل على الجنسية قبل سبع سنوات وهم الذي قدّم نفسه كتقدمي من الحزب الديموقراطي وكمسلم شيعي في أكبر مكان فيه أغلبية يهودية بعد إسرائيل.
عفوية ترمب على تدرجاتها من الود ونقيضه والهزل والجد باتت مادة يستغلها الخصوم داخليا وخارجيا وتلك مسألة بدأت تثير تفاعلا وتساؤلات بين مؤيد ومعارض لاستمرار الرئيس في اعتماد هذا الأسلوب خاصة في زياراته الخارجية أو لقاءاته مع ضيوف أجانب.
ليس سرا أن المستشار الأثير لترمب هو ترمب نفسه، لكنه وفي حال ثبوت الولاء منفتح على النقد إلى حد انتقاد نفسه بنفسه وحتى التندر على هفواته أو أخطائه في تقدير بعض الأمور.
عفوية ترمب ما زالت في عيون مؤيديه -وحسن في كل عين من تودّ- ما زالت خلاّقة بالمعنى الحقيقي الإيجابي للكلمة.