جفرا نيوز -
د. محمد كامل القرعان
لم يكن المشروع الإصلاحي الذي أطلق برؤية ملكية سامية من خلال قانوني الانتخاب والأحزاب مشروعًا تجميليًا أو شكليًا، بل جاء ليؤسس لحياة حزبية حقيقية تمهد لحكومات برلمانية فاعلة، قادرة على حمل همّ الدولة والمجتمع معًا. غير أن نجاح هذا المشروع واستدامته يتطلبان تطوير بنية العمل الحزبي وتعزيز الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب نفسها.
من أبرز التحديات التي تواجه التجربة الحزبية اليوم، هي اتساع صلاحيات الأمين العام في بعض الأحزاب، لا سيما في تعيين رؤساء المكاتب والمراكز والهيئات القيادية، ما يهمّش دور الهيئة العامة ويحد من التشاركية داخل الحزب. إن هذا النهج الفردي يُضعف روح العمل الجماعي ويجعل الحزب أقرب إلى كيان شخصي لا مؤسسي.
كما يشكل الاعتماد المفرط على التمويل الفردي تحديًا آخر، إذ يرتبط مصير بعض الأحزاب ببقاء مموليها، وهو ما يقوّض استقلاليتها السياسية والفكرية. والمطلوب هنا أن تقوم الأحزاب على برامج وطنية واضحة وسياسات عامة، لا على أشخاص أو حسابات مالية.
ورغم تلك التحديات، فإن خطوات إصلاحية بدأت تظهر، من أبرزها توجه الهيئة المستقلة للانتخاب نحو تعديل الأنظمة الداخلية للأحزاب بحيث تُستبدل كلمة "تعيين” بكلمة "انتخاب”، في إشارة إلى تمكين الهيئة العامة من ممارسة دورها الحقيقي في اختيار القيادات، وتقييد الصلاحيات الفردية. إنها خطوة نحو ترسيخ مبدأ التداول الداخلي للسلطة، وبناء أحزاب أكثر نضجًا ومؤسسية.
ومن هنا، تبرز أهمية أن يكون للهيئة العامة الكلمة العليا في تقييم أداء البرلمانيين الفائزين عن الحزب، وفي تحديد مدى التزامهم ببرنامجه وأفكاره، وكذلك في اختيار من يمثل الحزب داخل البرلمان أو في مواقع القيادة المختلفة. فصوت القواعد الحزبية يجب أن يكون هو المرجع، لا قرارات الأمين العام المنفردة.
إن بناء حياة حزبية راسخة يتطلب اليوم:
• ترسيخ مبدأ الانتخاب الداخلي بدل التعيين.
• تعزيز استقلالية الأحزاب عن الأفراد والمال السياسي.
• تمكين الهيئة العامة لتكون صانعة القرار داخل الحزب.
• دعم الأحزاب التي تقوم على برامج وطنية واقعية قابلة للتطبيق.
إن الهيئة المستقلة للانتخاب مدعوة اليوم لترجمة هذه الأفكار إلى نظام مستدام يضمن التداول المستمر للمواقع القيادية داخل الأحزاب، ويحول المبادئ الإصلاحية إلى ممارسة فعلية تُعزز الديمقراطية الداخلية وتقوي المشروع الوطني الإصلاحي.