النسخة الكاملة

دمتم يا معلّم

الثلاثاء-2025-10-07 10:27 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

نحن عشاق التاريخ، مولعون به، لكن العشق لا يعني أبدا حسن القراءة أو التعلم من دروسه. فلا بأس عند الحديث عن المعلّم -الذي «كاد أن يكون رسولا»- أن نقلّب صفحات التاريخ تبجيلا له.

 يرجع تاريخ عيد المعلّم إلى عام 1966 في توصية للأمم المتحدة بأن يكون للمعلمين شأنهم بين الأمم، فكان أن تم الأخذ بتلك التوصية سنة 1994 بأن يصار إلى الاحتفال بيوم من أيام السنة بفضل المعلمين على البشرية وهو الخامس من أكتوبر.  لأمريكا عالمها، فاختارت أن تحتفي بالمعلمين في أول ثلاثاء من أسبوع كامل يقع في مايو، وهو شهر تفتّح الأزهار في بلاد العم سام والذي يُحتفل فيه أيضا بعيد الأم، لكن في ثاني آحاد الشهر والذي سيصادف في عامنا هذا، العاشر من أيار.

لهذه المناسبة في القلوب وعلى الهامات مكانة خاصة أكثر لمن كان أحد والديه معلّما. وقد حظيت بشرف أن أكون ابنة مدرّسة أمضت زهاء أربعة قرون في مهنة ورسالة التربية فالتعليم في مدارس الراهبات في الكويت وعمّان.

حب المعرفة والسعي لامتلاك أدواتها ونواصي المعارف والعلوم والآداب والمهارات والخبرات كانت وما زالت نهج حياة، لا مجرد سنوات تحصى على مقاعد الدرس أو في ميادين العمل. ذاك عهد تأسس وتجدد كل عام، منذ تعلّمنا الأبجدية والأرقام وأصفارها، من عدها على أصابع اليد إلى نقرها على الألواح الذكية وتطبيقاتها اللامتناهية، في زمن الثورة الرقمية والانفجار المعلوماتي والذكاء الاصطناعي.

الحياة مدرسة لا تقتصر على المعلمين. من أراد الاتضاع أمام الحقيقة والحكمة وهي التي تحرر وتهدي إلى النعم والبركات، وجد في كل إنسان وكل شيء معلّما. الناظر في خلق الله بحب وعمق، يرى وهو يسير في الأرض ما هو أعظم من الموسوعات في تعليم أسباب الحياة وأسرارها. التعلّم فضول ومن قبل إقرار بأن من مزايانا الحصرية كبني آدم وحواء، أننا «ذلك المخلوق العارف بجهله»، فلا يغترّ أبدا، ولا يمسسه الكِبَر ولا الخيلاء.

أذكر بعرفان الكثير من المعلمين من المدارس والجامعات وأماكن العمل والعشيرة والجيرة والأهم الأسرة. كم تعلمنا من أبنائنا لا أهالينا فقط، تعلّمت شخصيا الكثير من فلذّات كبدي. فالتعلّم والتعليم المستمر والمتبادل هبة من خالق أحبنا وعلّمنا برسله وأنبيائه، بأنّ أصل الخدمة محبة، وأصل المحبة معرفة لا تصح إحداها ما لم يكن الأصل والجوهر صحيحا لا عيب فيه، والكمال لله وحده سبحانه لا حُرمنا معرفته وتأديبه. نعلم يقينا كمؤمنين برسالات السماء، أن الله يعلّمنا ويؤدّبنا (يبتلينا). وكم من الشدائد عملت عمل النار والمطرقة في تليين الحديد، وتنقية الذهب وصياغته.

لست أدري كم منّا ومن معارفنا بادر إلى التواصل مع أحد معلّميه قائلا: شكرا يا معلّم.. دمتم ودام فضلكم يا معلّم. للمعلمين مكانة وكرامة وحقوق أكبر من الوزارات والنقابات، فهم في منزلة الرسل والآباء وما بعد ذلك شرف..

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير