النسخة الكاملة

بعد موافقة حماس: من يضمن نتنياهو وما هو مستقبل المنطقة؟

الأحد-2025-10-05 09:34 am
جفرا نيوز -
ماجد احمد السيبيه


تغيّر المشهد فجأة بعد إعلان حركة حماس موافقتها المبدئية على المبادرة الأمريكية – العربية لوقف إطلاق النار وتسليم السلاح الثقيل، إذ ظنّ البعض أن صفحة جديدة تُفتح، وأن الحرب الدامية على غزة قد تضع أوزارها أخيرًا. لكنّ الساعات التالية أظهرت شيئًا مختلفًا: الطائرات الإسرائيلية واصلت القصف، والدم ما زال يسيل في الشوارع، وكأن قرار نتنياهو يسير في اتجاه معاكس تمامًا لأوامر حليفه الأمريكي دونالد ترامب.

وهنا تتدافع الأسئلة الكبرى:

من يضمن نتنياهو؟ ومن يستطيع تقييد رجلٍ بنى مستقبله السياسي على إشعال الحروب؟ وهل يجرؤ ترامب – الذي عاد إلى المسرح العالمي بخطاب القوة – على كبح حليفه إذا تمرد على توجيهاته؟ أم أنه سيختار الإبقاء على الدعم الكامل لإسرائيل، حتى لو تجاوزت كل الخطوط الحمراء؟

ترامب، الذي أعلن بوضوح دعمه الدائم لـ"أمن إسرائيل"، يواجه اليوم اختبارًا مزدوجًا: إما أن يثبت أنه قادر على فرض إرادته حتى على نتنياهو، أو أن يتورط في لعبة تبرر مزيدًا من القتل والفوضى باسم "محاربة الإرهاب". ومن خلف الستار، تتوجس الدول العربية من نوايا الطرفين، خشية أن يكون وقف النار مجرد استراحة قصيرة قبل عاصفة جديدة.

اللافت أن موافقة حماس لم تُقابل بترحيب إسرائيلي حقيقي، بل بتهكم وتحفّظ، وكأن تل أبيب لا تريد تسوية تنهي الحرب، بل تسوية تُكرّس واقع الهيمنة. فنتنياهو يدرك أن أي وقف حقيقي للنار يعني بداية مساءلة داخلية في إسرائيل نفسها، عن الفشل والدمار والجنود المفقودين، وعن الثمن السياسي والاقتصادي الذي دفعته حكومته في حربٍ بلا أفق.

في المقابل، تقف الأنظمة العربية بين حرجين: حرج الضغوط الأمريكية التي تطلب منها تأييد خطة ترامب، وحرج شعوبها التي ترفض رؤية غزة تُسحق باسم "التسوية". هل ستكتفي هذه الدول بالمراقبة الصامتة؟ أم ستبدأ في بلورة موقف عربي أكثر استقلالية بعد أن ثبت أن التعويل على وعود واشنطن لم يحقق سوى الانقسام والخذلان؟

المؤشرات الميدانية لا تبعث على الاطمئنان. استمرار القصف رغم موافقة حماس، ورفض نتنياهو الانصياع المباشر لتعليمات ترامب، يشيران إلى أن المنطقة تتجه نحو مرحلة من الغموض المتفجر. فكل حرب تُختتم دون اتفاق واضح تزرع بذور حربٍ أخرى. ومن المرجّح أن تشهد المنطقة تصعيدًا جديدًا، سواء في غزة أو في جبهات أخرى كجنوب لبنان أو الضفة الغربية، وربما أبعد من ذلك.

يبقى السؤال: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة من الصراع، أم أمام لحظة ما قبل الانفجار الأكبر؟ في الحالتين، يبدو أن ما بعد موافقة حماس لن يشبه ما قبلها. فالتاريخ لا يرحم الفرص الضائعة، والمنطقة اليوم تقف على مفترق طرقٍ خطير بين تسوية شجاعة أو فوضى ممتدة.

وربما يكون الخلاص الوحيد في أن يدرك العرب أن زمن الانتظار قد انتهى، وأن بناء موقف موحد ورؤية واضحة لمستقبل فلسطين لم يعد ترفًا سياسيًا، بل شرط بقاء واستقرار للمنطقة كلها. فإما أن يُصنع السلام بإرادتنا، أو يُفرض علينا بشروط الآخرين.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير