جفرا نيوز -
د. محمود عواد الدباس
١/٣
كنت حريصًا جدًا على الاستماع إلى كامل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام هيئة الأمم المتحدة، ذلك أن خطابه يحدد ما هو قادم وما سيتم فعليًا. استمعت إلى الخطاب كاملًا بدلًا من الاستماع إلى أجزاء متفرقة منه والتي تنقلها وسائل الإعلام بانتقائية لغايات سياسية محددة تخص كل وسيلة إعلام بحكم توجهاتها السياسية. المهم أنني وبعد الاستماع إلى خطابه، الذي كان طويلًا كما لاحظ الجميع. لعل السبب في ذلك هو ضخامة حجم الأحداث المتسارعة في العامين الأخيرين والتي كانت ولا تزال إسرائيل طرفًا رئيسًا فيها. خلال الاستماع إلى الخطاب ومشاهدته، استوقفني أمران اثنان، وهما ربطة عنقه الحمراء. ربما كان يقصد منها أن يفهم الجميع أنها دلالة رمزية على النصر الإسرائيلي، أيضًا لفت نظري حركة يده اليسرى، فهو يسراوي اليد (قدرات ذهنية خاصة)، لكنه في المقابل هو يميني الفكر والاتجاه. من هنا، فعندما تجتمع اليد اليسرى مع العقل اليميني، تكون النتيجة كارثية في الغالب. في المحصلة جاء خطاب نتنياهو في ثلاثة أجزاء: الأول: إظهار فكرة أن إسرائيل مستهدفة ومعتدى عليها. الثاني: عرض "منجزات" إسرائيل ضد أعدائها وقدرتها على إنهاء الخطر الوجودي الذي يتهددها. أما الجزء الثالث: فهو رسم ملامح المرحلة القادمة مع تحذيرات وتهديدات لعدد من أعداء إسرائيل مع تقديم شروطه لتوقفه عن مواصلة توجيه ضربات عسكرية لهم. لست بصدد تلخيص الخطاب، لكن الأهم هو دلالاته: فقد سعى نتنياهو كما قلنا إلى إظهار أن إسرائيل ضحية، ثم إظهار قوتها في مواجهة الأعداء والانتصار عليهم، أما الجزء الثالث فهو التحدث بلغة المنتصر عمّا هو آت. في ذات السياق، ومن أجل زيادة التأثير على المستمعين والمشاهدين، فقد لجأ نتنياهو خلال خطابه إلى استخدام عدة أساليب إعلامية وسياسية ونفسية من أجل قلب الحقائق بشأن دور إسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية والتجويع لأهالي غزة، إضافة إلى استخدامه أسلوب التوبيخ لعدد من قادة بعض الدول الأوروبية حيث خاطبهم بنبرة استعلائية واضحة. من ذلك: (القادة الضعفاء) و(نحن نقاتل دفاعًا عنكم من الخطر الإسلامي). علاوة على ذلك وصف مطالبتهم بقيام دولة فلسطينية بأنه (ضرب من الجنون لن نسمح لكم به ولن نقبله).
٢/٣
ما يهمني أكثر في هذه المقالة، وهو الجزء الذي تحدث عنه نتنياهو بما يخص القادم، في هذا الجزء من خطابه أكد نتنياهو أنه لن تقام دولة فلسطينية، سواء أنها ستكون بقيادة السلطة الفلسطينية أو حماس، فكلاهما مرفوضتان بالنسبة له. في هذه النقطة، أشير إلى أن بعض الدول العربية مؤخرًا اتجهت لانتقاد حكومة نتنياهو تحديدًا( حكومة مارقة ) ، متجنبة انتقاد إسرائيل كدولة، وهي الدول التي وقعت معاهدات سلام أو اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل . هذه الدول بنت موقفها على فرضية أن الخلل مصدره حكومة نتنياهو وليس إسرائيل ذاتها. وبالتالي، وحسب قناعاتهم، فإن زوال نتنياهو من المشهد السياسي يعني نجاح فرص حل الدولتين. لكن نتنياهو ردّ عليهم في خطابه قائلًا: إن رفض قيام دولة فلسطينية هو قرار الشعب الإسرائيلي بنسبة( ٩٠٪) عبر تصويت الكنيست، وأنه ليس قرار حكومته وحدها. هذا يعني أن الجهود السياسية المبذولة لإسقاط نتنياهو لن تغير النتيجة.
٣/٣
ختامًا، فإن التوجه العالمي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية (١٥٣ من أصل ١٩٣ دولة) هو إنجاز عالمي ذو دلالة سياسية وإعلامية، لكنه اعتراف رمزي، أما على الأرض فإن إسرائيل هي سيدة الموقف الفعلي. من هنا، فإن الخيارات المتاحة القادمة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني لن تخرج عن احتمالين اثنين، وهما: الأول، وهو حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في الضفة الغربية، يعزز ذلك تصريح سابق قريب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة حينما عبر عن قناعته بالذهاب نحو حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية. أما الاحتمال الثاني، فهو التوجه نحو السيناريو الأخطر، وهو تهجير أهالي الضفة الغربية بأساليب مختلفة. أما غزة فإن سيناريوهات إيجاد حل لازمتها أعقد من سيناريوهات المستقبل السياسي للضفة الغربية، وربما السبب في ذلك هو القاعدة الاجتماعية التي تتمتع فيها حركة حماس هناك. هذه هي الخيارات المتوقعة استنادًا إلى الواقع الحالي لموازين القوى عربيًا وإقليميًا ودوليًا. لكن وبكل تأكيد، فحينما تتغير موازين القوى الحالية، إذا تغيرت على المستويات الثلاثة، فالمؤكد أن النتيجة ستتغير.