جفرا نيوز -
عامر طهبوب
لم يلحظ الرئيس دونالد ترمب وهو على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن خطابه أكثر عنجهية من خطاب نتنياهو، وأن خطابه شاذ لا يماثل خطابات الدول العربية والغربية البالغ عددها حسب إعلان نيويورك 142 دولة، وتلك هي غطرسة القوة والعنجهية والشوفينية التي تصل مراحل متقدمة من المرض، وخطاب ترمب يحرص على 20 رهينة إسرائيلي في غزة، ولا يلتفت إلى 65 ألف ضحية للعدوان الإسرائيلي، ولا إلى كل أهل غزة، ولا أفهم من الخطاب، ولا من اجتماعه بالقادة العرب والمسلمين، إلا محاولة جديدة للتدليس والتسويف، ومنح المزيد من الوقت لإسرائيل لاحتلال غزة، وتنفيذ مشروع التهجير إلى الجنوب كخطوة أولى نحو التهجير القسري.
وفي نفس الوقت، فإن خطاب ترمب - كخطاب نتنياهو - كان خطاباً مأزوماً، فالرئيس الأميركي يعرّض سمعة بلاده كل يوم للخطر بسبب وقوفه مع قاتل لفظته البشرية جمعاء، فشعوب الأرض تزداد غضباً وشراسة يوماً بعد آخر نتيجة هذه المظلمة غير المسبوقة للشعب الفلسطيني، لكن الظالم لا يرى إلا نفسه، ولا يسمع إلا صوته، ولا يستجيب لأصوات العدالة والحرية، بل إن مفاهيم الحق والعدالة والمساواة في العقل الرسمي الأميركي تقوم على الكذب والتضليل لا على الحقيقة.
ورغم كل ذلك أقول، إن ما أنجز، سواء في إعلان نيويورك، أو في موجة التعاطف العالمية غير المسبوقة، هو خطوة متقدمة على طريق التحرير، والأوطان لا تتحرر من محتل غاصب كإسرائيل في يوم وليلة، وإنما تحرير الأرض، ونيل الحرية، وإقامة الدولة، تتطلب تواتر النضال، واستمرار الكفاح والتضحية بلا توقف ولا وهن، وطرد مستعمر من صنف إسرائيل، يتطلب تضحيات من صنف تضحيات شعب الجزائر من أجل الحرية، لأن هذا المستعمر الكولونيالي المتوحش العنصري، جاء بحلم الوطن الموعود، وحلم البقاء على الأرض حتى يهجّر كل من فيها، حلم يهودية الدولة، ويهودية الأرض، ونصوص خرافات تلمودية، ولذلك فإن الطريق طويلة، وهي طريق شائكة وصعبة ومريرة بدأت يوم عرف الفلسطيني الهجرة واللجوء عام 1948 وهو يحلم بالعودة، ذاك يحلم بالبقاء، وصاحب الأرض يحلم بالعودة، وبين حلم الغاصب المحتل، وحلم صاحب الأرض الذي لم ينس شجرة في بستان أرضه، يحتدم الصراع، وأول إسفين في ضرب حلم الغاصب المحتل هو ضرب السردية التي رددها على مدى عقود مضت، سردية المظلومية والمحرقة، وسردية حقه في الأرض كأرض موعودة، وسردية ديمقراطية نظامه، وسردية أخلاق جيشه، وامتثال ساسته لحقوق الإنسان والأعراف الدولية؛ كل هذه السرديات كشف النقاب عنها، وظهرت لشعوب العالم الحقيقة؛ الإسرائيلي قاتل، والضحية هو الفلسطيني وليس الإسرائيلي.
ستواجه إسرائيل في القادم من الأيام المزيد من العقوبات والعزل، وستواجه الولايات المتحدة مع حليفها المتعب نفس المصير، ستكون واشنطن وتل أبيب في كفة، والعالم بأسره في الكفة الثانية، وستكون تلك نقطة البداية لانهيار دولة الاحتلال، ولاختلال كبير يصيب جسد الولايات المتحدة يجعل صوتها في عواصم الأرض يسمع بصعوبة، وأما تهديد زعماء إسرائيل، فهو نسخة طبق الأصل عن تصريحات كل محتل غاصب لأرض غيره عندما يشعر بالخطر، وعندما ينفلت الزمام من بين يديه ومن خلفه، فإسرائيل ليست قوية بما تفعله، لا في غزة، ولا في الضفة الغربية، ولا في المحيط المجاور أو البعيد، وإنما هو الضعف الذي يجعلها تزداد توحشاً وتمرداً وعنجهية، وسيثبت الزمن أنها ليست قوية.