جفرا نيوز -
رامي رحاب العزة
لم تكن كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مجرد خطاب عابر، بل كانت خريطة سياسية مدروسة بعناية تحمل بين سطورها رسائل أبعد من المكان والزمان. جلالته لم يكتفِ بوصف مأساة الشعب الفلسطيني، بل صاغها بلغة تُحرج العالم وتضعه أمام مرآته، حين قال: "الدولة الفلسطينية ليست مكافأة، بل حق لا جدال فيه.” هذه العبارة لم تكن جملة عابرة بل كانت خلاصة موقف تاريخي أراد به الملك أن يسجّل حقيقة واضحة لا يستطيع أحد تجاوزها.
قوة الكلمة تجلّت في أسلوبها، فقد استخدم جلالته التكرار الذكي لعبارة "مراراً وتكراراً”، ليجعل من المأساة الفلسطينية صورة حيّة لا تغيب عن ذهن المستمع. لم يكن ذلك مجرد بلاغة لغوية، بل أداة تأثير نفسي وسياسي صاغت الحقيقة بطريقة لا يمكن تجاهلها. في تلك اللحظة لم يعد الحديث عن فلسطين شأنًا إقليميًا، بل تحوّل إلى امتحان لإنسانية العالم كله، إذ وضع الملك الشعوب والحكومات أمام سؤال أخلاقي قاسٍ: هل الصمت يعني القبول بالظلم؟
ذكاء الملك كان في تجديد الموقف الأردني الثابت دون أن يقع في فخ التكرار التقليدي. أعاد صياغة الحقائق بأسلوب يجعل من الأردن ليس مجرد طرف في الأزمة، بل ضميرًا عالميًا يذكّر العالم بمسؤولياته. وعندما أكد على الوصاية الهاشمية في القدس، لم يقدّمها كشعار ديني فقط، بل كعنوان للسلام العالمي، وكحماية للتوازن الإنساني والروحي في مدينة تختصر تاريخ البشرية.
هذه الكلمة تجاوزت حدود قاعة الأمم المتحدة، فقد كان وقعها أعمق وأبعد، فهي لم تخاطب الحكومات فقط بل وجّهت نداءً للشعوب الحرة، وأرادت أن تصنع تحالفًا عالميًا مع الضمير الإنساني قبل السياسة. الرسالة كانت واضحة: لا سلام ولا استقرار في العالم دون عدالة للفلسطينيين.
إن كلمة الملك لم تكن خطابًا عاديًا بل وثيقة سياسية بوزن قرار، ستُقرأ بعد سنوات على أنها كلمة الحقيقة في زمنٍ حاول فيه العالم أن يهرب من مواجهة نفسه. كانت كلمة تحمل قوة الموقف، وذكاء التعبير، وتأثير القائد الذي يعرف كيف يجعل صوته يتردد في وجدان العالم، لتبقى شاهدة على أن الأردن بقي وما زال صوت العدالة في زمن يندر فيه العدل.
واليوم، ونحن أبناء هذا الوطن، نستشعر أن هذه الكلمة لم تخرج من منصة أممية فقط، بل خرجت من قلب كل أردني يعرف قيمة الحق، ويدرك أن صوته يصل للعالم من خلال ملكه. كانت كلمته كلمتنا، وصرخته صرختنا، وإصراره على الحق تجسيد لروح الأردن التي لم ولن تنكسر.