النسخة الكاملة

قوة الموقف الأردني في وجه التصعيد الإسرائيلي

الإثنين-2025-09-22 09:41 am
جفرا نيوز -
ماجد احمد السيبيه

انعقدت منذ ايام القمة العربية – الإسلامية الاستثنائية في الدوحة وسط أجواء من الغضب الشعبي والرسمي جراء الاعتداء الغاشم الذي استهدف دولة قطر، صاحبة الدور المحوري في جهود الوساطة لوقف الحرب على غزة. وقد خرجت القمة ببيان إدانة جماعية لهذا الاعتداء، إلا أن ما يجري على الأرض في قطاع غزة والضفة الغربية يثبت أن بيانات الشجب لم تعد قادرة على وقف آلة الحرب الإسرائيلية التي تواصل عدوانها بلا هوادة.

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين خلال القمة كانت واضحة وصريحة، فقد قال: "إن الاعتداء على دولة قطر، التي تقوم بجهود وساطة لوقف الحرب في غزة، هو اعتداء مرفوض ويستوجب رداً عربياً وإسلامياً حاسماً". وأضاف جلالته: "لا بد من موقف عربي وإسلامي موحد يردع هذه الاعتداءات ويحمي شعوبنا من سياسات التطهير العرقي والتهجير". كما أكد أن "الأردن سيواصل الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ولن يتوانى عن فضح الانتهاكات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي"، مشدداً على أن "البيانات وحدها لا تكفي، وعلى الدول العربية والإسلامية أن تترجم أقوالها إلى أفعال تحفظ الأمن والاستقرار وتعيد إحياء عملية السلام على أساس العدالة وحق الفلسطينيين في دولتهم".

هذا الخطاب الملكي حمل رسائل مباشرة، ليس فقط للعدو الإسرائيلي، بل أيضاً للعواصم العربية والإسلامية. فقد كان بمثابة جرس إنذار بأن المرحلة الحالية لا تحتمل التردد أو الاكتفاء بالمواقف الكلامية، بل تستوجب خطوات عملية تترجم على الأرض من خلال الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، وتفعيل أدوات القانون الدولي لمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق المدنيين.

الواقع يؤكد أن إسرائيل مستمرة في سياسة الإبادة والتهجير في غزة، والتضييق الممنهج على سكان الضفة الغربية. وكل ذلك يحدث أمام صمت دولي وانحياز أمريكي واضح للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، في وقت باتت فيه الشعوب العربية والإسلامية تعيش حالة من الاحتقان وفقدان الثقة بالمنظومة الدولية. من هنا، فإن دعوة الملك عبدالله الثاني للتحرك العملي ليست ترفاً سياسياً، بل هي ضرورة وجودية لحماية شعوب المنطقة من خطر الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والعنف.

الأردن الذي استقبل أمير دولة قطر، سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يؤكد من خلال هذه الزيارة أهمية تنسيق المواقف وتعزيز العمل العربي – الإسلامي المشترك. فالتوقيت بالغ الحساسية، والملفات المطروحة على الطاولة تمس الأمن القومي العربي برمته. ومن هنا، فإن الأردن وقطر معاً يمثلان نموذجاً لدور الوسيط الفاعل، القادر على الجمع بين المواقف السياسية المعتدلة والتحرك العملي في الساحة الدولية.

ويمتلك الأردن أدوات قوة راسخة، تجعله قادراً على لعب دور محوري في هذه المرحلة: موقع جغرافي استراتيجي، استقرار سياسي وأمني وسط إقليم مضطرب، شرعية دينية من خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، إضافة إلى شبكة علاقات دولية متينة جعلت من المملكة صوتاً مسموعاً في المحافل العالمية. هذه العناصر مجتمعة تمنح الأردن مكانة فريدة تمكّنه من قيادة موقف عربي وإسلامي أكثر تماسكاً وفاعلية.

لكن المطلوب اليوم، داخلياً وإقليمياً، هو وضع خطط بديلة لمواجهة الضغوط الإسرائيلية المتزايدة في ملفات الغاز والمياه، وتوسيع دائرة الحلفاء السياسيين والعسكريين، وتكثيف الاتصالات مع القوى الدولية المؤثرة. فحماية المصالح الوطنية الأردنية لا تنفصل عن حماية الحقوق الفلسطينية، بل إن المسارين متداخلان، وأي تهديد لفلسطين ينعكس مباشرة على استقرار الأردن والمنطقة بأكملها.

في المحصلة، ما طرحه الملك عبدالله الثاني في قمة الدوحة لم يكن خطاباً بروتوكولياً، بل خارطة طريق واضحة للعرب والمسلمين: أن يدركوا أن البيانات وحدها لم تعد كافية، وأن الوقت لم يعد في صالحنا. المطلوب هو موقف موحّد يبعث برسالة قوية للعدو الإسرائيلي بأن الأمة تملك أوراق ضغط حقيقية، وأنها قادرة على استخدامها لحماية شعوبها ومقدساتها ومصالحها. والأردن، بثباته وقيادته، يبقى صوت الحكمة الذي يوازن بين الواقعية السياسية والدفاع عن الحقوق التاريخية المشروعة.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير