جفرا نيوز -
بقلم: هاني الدباس
افضل ما في برنامج التحديث الاقتصادي انه لا يقف عند حدود الخطط النظرية أو التوجهات العامة، بل يسعى إلى إحداث تحوّل ملموس في البنية الاقتصادية والإدارية للدولة ، فجوهر هذا البرنامج لا يقتصر على فتح قطاعات جديدة أو تحفيز الاستثمارات فحسب، بل جوهره بناء منظومة متكاملة من الكفاءة والشفافية والمساءلة، بحيث تُقاس النتائج ، بالأداء الفعلي القابل للتحقق لا بالشعارات.
إن المخرجات المتوقعة من البرنامج تتوزع على ثلاثة مستويات ، الاقتصادي وأساسه خلق فرص عمل مستدامة، ورفع معدلات النمو، وتوسيع القاعدة الإنتاجية في قطاعات واعدة مثل الاقتصاد الرقمي والسياحة العلاجية والطاقة المتجددة .
والمستوى الإداري والمؤسسي وجوهره إعادة هيكلة الجهاز الحكومي بما يواكب متطلبات العصر، مع القضاء على صور البيروقراطية الكامنة تاريخياً في العقلية الادارية، ورفع كفاءة الخدمة العامة.
اما على المستوى الاجتماعي يسعى البرنامج لتعزيز ثقة المواطن بالدولة من خلال سياسات واضحة ونتائج ملموسة تُشعره بأن الإصلاح ليس شكلياً، بل ينعكس على تفاصيل حياته اليومية.
يبقى السؤال الجوهري : كيف يقاس الأداء بشكل فعلي؟
فلا يمكن لأي برنامج وطني أن ينجح دون أدوات قياس دقيقة وشفافة، وهنا تبرز أهمية المؤشرات الرئيسة للأداء (KPI’s)، والتي يجب أن تُصمم لكل وزارة، وهيئة، بل ولكل مسؤول يشغل موقعاً قيادياً.
لم يعد قياس اداء المسؤول يرتبط بما يعد به أو يخطط له، بل بما ينجزه فعلياً ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، وزير الاستثمار لا يُقاس أداءه بعدد المؤتمرات أو الاتفاقيات الموقعة ولا بسراب الوعود والتصريحات الشعبوية المستعرضة، بل بمعدل الاستثمارات التي تم تنفيذها فعلياً على الارض وانعكست بفرص عمل متزايدة وبأثر مباشر على مؤشرات الاقتصاد الوطني كما ان وزير الصحة لا يُقاس أداءه بعدد المستشفيات التي أُعلن عنها، بل بالارتقاء بمستويات الرعاية الصحية وجودتها لدى المواطن.
لضمان استدامة هذا النهج، تصبح آلية الاستلام والتسليم بين الوظائف العليا محوراً رئيساً في البرنامج فلم يعد مقبولاً أن يغادر وزير أو مدير عام منصبه تاركاً خلفه فراغاً أو ملفات غير مكتملة في صورة اعتدنا عليها ما يشي بغياب المؤسسية ، بل يفترض أن يتم التسليم عبر تقرير شامل يوضح ما تحقق، وما لم ينجز، وما هي التحديات القائمة، بحيث تبني الادارة الجديدة على ما أُنجز ، هذه الآلية تُجذر لثقافة مؤسسية متراكمة تصون الجهود وتقي من تكرار التجارب الخاطئة.
يجب فرض برنامج لإقرار خطط تطوير فردية (PDP) لجميع موظفي القطاع العام، من القيادات العليا حتى الموظفين التنفيذيين ، فالحكومة لا يمكن أن تنهض إلا إذا اتسم العنصر البشري بالديناميكية والتجديد لمواكبة التحولات العالمية، متسلحاً بمهارات القيادة والتخطيط والتحليل.
مفهوم الـPDP يتيح لكل موظف أن يعي موقعه، ويحدد مسار تطويره، ويُقيَّم على أساس ما أنجزه مقارنة بما كان متوقعاً منه.
إن هذه المنهجية، القائمة على الجمع بين الرؤية الوطنية والمساءلة الفردية، تضع الأردن أمام فرصة تاريخية ،فهي لا تمنح المواطن وعوداً صماء ، بل تُخضع كل قرار أو مبادرة أو مشروع لاليةٍ واضحة للقياس والتقييم، وهنا يكون كل مسؤول وتنفيذي خاضعٌ للمساءلة.
بهذه الرؤية ، يصبح التحديث الاقتصادي حقيقة ملموسة، والجهاز الحكومي شريكاً فاعلاً في صناعة المستقبل لا عبئاً على الحاضر .