النسخة الكاملة

«غزة» ميدان لهدم التفاوض من الأبراج

الأحد-2025-09-07 09:59 am
جفرا نيوز -
لما جمال العبسه

عادة الحروب التقليدية متوقعة الخطط، فيها تُستهدف المواقع العسكرية، وتُرسم خرائط السيطرة بالنار، أما في مدينة غزة التي صمم لها جيش الاحتلال الصهيو امريكي عملية خاصة لاحتلالها سُميت بـ»عربات جدعون 2»،  فالامر مختلف تماما، الأبراج السكنية تُقصف بشكل متتالٍ، وهذا ما بدأ يوم الجمعة، تحقيقا لهدف اخلاء المدينة الاهم بل والرمز في القطاع ككل، وبالتالي دفع الناس للخروج منها وافراغها بالكامل، فهذا الجيش النازي يعلم تمام العلم ان هذه المباني خالية من اي مقاومة بل انها تحوي داخلها اضعاف قدرتها ممن فقدوا منازلهم في هذه المدينة، والان هم بلا مأوى ولا مكان يلجأون اليه.

 بالمناسبة هذا التدمير  ليس مجرد تدمير لمبانٍ شاهقة، بل ذاكرة مدنية، طبقة وسطى، مؤسسات إعلامية، مكاتب هندسية، وشقق سكنية تحوي أحلاما مؤجلة. حين تُهدم الأبراج، لا يُستهدف الإسمنت، بل يُستهدف الحق في التنظيم، في الحلم، في التفاوض، في أن تكون مدينة.

جيش الكيان الصهيوني لا يقصف الأبراج لأنها تشكل خطرا عسكريا حاسما، بل لأنها تمثل ما تبقى من غزة ككيان قابل للحياة، الأبراج هي آخر ما يمكن أن يُفاوض عليه، حين تُقصف، تُقصف معها احتمالية التهدئة، وتُهدم فكرة أن هناك طرفا فلسطينيا.
ان ما يجري في هذه المدينة الحزينة ليس تصعيدا عسكريا مجردا، بل هو إعلان استراتيجي يقول «لن نسمح لغزة أن تكون مدينة، ولن نفاوض على أنقاضها»، اي ان هناك توجها بعلم ومباركة امريكية لإلغاء المدينة، وبالتالي السيطرة على الشمال الذي هو مطمع امريكي مثل ما هو صهيوني، وعلينا ان نكون واقعيين اكثر، ذلك ان امريكا تريد القطاع خاليا من السكان لاستثماره كيفما شاءت وعندما فشل الامر استكفت مشكورة بالشمال، والان جاء دور وكيلها في المنطقة لتنفيذ هذه الرغبة مُصدرا للداخل اسبابا امنية وعقائدية لينال المباركة.

في قطاع غزة المكلوم نقول ونحن خارجه ان كل يوم هو الاصعب مما سبقه من الايام، وان الطرف الصهيوني وداعمته واشنطن يضعون العصا في دواليب التفاوض، اما في هذه الايام فان الامر بدا اكثر وضوحا، فلا الولايات المتحدة ولا دولة الكيان تسعيان للتفاوض، ولم يعد هدفهما تقويض قدرات المقاومة او نزع سلاحها او البحث في اليوم الثاني من الحرب، وقرروا قتل قلب القطاع «غزة المدينة» التي تعد شكلا من أشكال السيادة الداخلية، وهدم مقدراتها وتسويتها في الارض، ما يعني نسف العملية التفاوضية برمتها ان كانت قائمة.

هذه الاجراءات الدموية القاسية تمحو في طريقها الخط الفاصل بين الحرب والسلم، بل هي بوضوح سلوك كسر طاولة التفاوض، وقال بصوت جهوري لا اعتراف بحق الفلسطيني بالحياة بكرامة على ارضه.

لاشك ان دولة الكيان الصهيوني ملت كذبها على نفسها واقناع الاخر بهذا الهراء، كما انها تعبت من استخدام كل ادوات القتل ومحاولات التهجير حتى تقنع الغزي بمغادرة وطنه، واقتنعت ان كل محاولاتها باءت بالفشل، حيث لم يفلح التجويع والقتل المباشر والقنص والتدمير وحشر الناس في اماكن ضيقة ومنع الدواء الى آخره من اساليب سادية للقتل في اقناع الفلسطيني بمغادرة وطنه، بل هي مقتنعة تماما بان كل اجراء وحشي نازي يزيد من تشبثهم في ارضهم يوما بعد الآخر.

لكن نبقى نتأسف على ان كل ما يجري تحت مرأى ومسمع العالم الذي يتباكى كذبا على الواقع، والله المستعان على ما يصفون.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير