جفرا نيوز -
الدكتور محمود عواد الدباس
1/4
منذُ أنْ تَمَّ تغييرُ تعليماتِ دفعِ فاتورةِ الكهرباءِ الشهريةِ، باتتْ فاتورةُ الكهرباءِ إحدى أهمِّ القضايا الشهريةِ الكبرى التي تشغلُ بالَ المواطنِ (نعنع البري). فيما مضى، كانَ يتأخَّرُ في دفعِ ما يترتَّبُ عليه من مبالغَ ماليةٍ، لكنَّ التعليماتِ الجديدةَ باتتْ مُقلِقةً له. فقد حدَّدتِ التعليماتُ الجديدةُ، التي يتمُّ العملُ بها منذُ عدةِ أشهرٍ، أنَّ السقفَ الماليَّ لمجموعِ فواتيرِ الكهرباءِ على أيِّ مواطنٍ هو سبعونَ دينارًا، مع إعطاءِ مدةِ إمهالٍ لكلِّ مشتركٍ إلى شهرينِ آخرَينِ لدفعِ نصفِ ما عليه بالحدِّ الأدنى. فإذا لم يدفعْ، يتمُّ فصلُ التيارِ الكهربائيِّ عنه.
2/4
ذاتَ مرةٍ، تأخَّرَ (نعنع البري) عن الدفعِ شهرينِ متتاليَينِ بعدَ أنْ تجاوزَ سقفَ السبعينَ دينارًا، فتمَّ فصلُ التيارِ الكهربائيِّ عنه. كانَ مجموعُ قيمةِ الفواتيرِ المتراكمةِ عليه 150 دينارًا. وقتَها، اضطرَّ إلى استدانةِ مبلغِ 75 دينارًا من أجلِ إعادةِ إيصالِ التيارِ الكهربائيِّ من جديدٍ. لكنْ، حينما ذهبَ لدفعِ المبلغِ، كانَ المطلوبُ منه 80 دينارًا. حينَ سألَ: "لماذا؟"، قالوا إنَّ الخمسةَ الإضافيةَ هي بدلُ إعادةِ إيصالِ التيارِ الكهربائيِّ. لم يعجبْهُ الكلامُ، والسببُ أنَّ إعادةَ إيصالِ التيارِ الكهربائيِّ تتمُّ عمليًّا عبرَ كبسةٍ واحدةٍ على جهازِ الكمبيوتر! . حينَ عَدَّ ما في جيبهِ، كانَ مجموعُ ما يملكُهُ 80 دينارًا. في حساباتِهِ، كانتِ الخمسةُ دنانيرَ الإضافيةُ مرصودةً لشراءِ حاجاتٍ ضروريةٍ لبيتهِ. مع ذلكَ، اضطرَّ إلى دفعِ كلِّ ما هو مطلوبٌ منه: 75 دينارًا نصفَ ما يترتَّبُ عليه من مجموعِ مبالغِ فواتيرِ الكهرباءِ المتراكمةِ، إضافةً إلى خمسةِ دنانيرَ بدلَ إعادةِ إيصالٍ. بذلكَ، لم يبقَ في جيبهِ أيُّ قرشٍ أحمرَ، حسبَ التعبيرِ الشعبيِّ. لم يغضبْ كثيرًا على دفعِ مبلغِ 75 دينارًا، لكنَّهُ حزنَ كثيرًا على دفعِ الخمسةِ دنانيرَ الأخرى، فقد كانَ بحاجةٍ إليها. حينَ عادَ إلى بيتهِ، وجدَ أنَّهُ تَمَّ إعادةُ إيصالِ الكهرباءِ، فقالَ لنفسهِ مرةً أخرى: "سهلةٌ، فهيَ كبسةٌ واحدةٌ على جهازِ الكمبيوتر!"
3/4
كردةِ فعلٍ من (نعنع البري) على ذلكَ، قرَّرَ ألَّا تتجاوزَ قيمةُ مجموعِ فواتيرِ الكهرباءِ المطلوبةِ منه سقفَ السبعينَ دينارًا. فهو لا يريدُ دفعَ هذهِ الخمسةِ دنانيرَ من أجلِ إعادةِ إيصالِ التيارِ الكهربائيِّ إلى بيتهِ إذا ما تَمَّ فصلُ التيارِ عنه إذا تجاوزَ سقفَ السبعينَ دينارًا ولم يدفعْ لمدةِ شهرينِ متتاليَينِ. ذلكَ أنَّ أسرتَهُ أحقُّ بهذهِ الخمسةِ دنانيرَ. أما الخطوةُ الثانيةُ، فكانتْ دعوتَهُ لتوقيعِ عريضةٍ من آلافِ المواطنينَ تُرسَلُ إلى مجلسِ الشعبِ للمطالبةِ بالضغطِ على الحكومةِ من أجلِ إلغاءِ استيفاءِ مبلغِ خمسةِ دنانيرَ من أيِّ مواطنٍ من أجلِ إعادةِ التيارِ الكهربائيِّ إلى بيتهِ بعدَ دفعِ نصفِ قيمةِ ما يترتَّبُ عليه. ثمَّ قالَ لنفسهِ: "إذا لم تنجحْ هذهُ الخطوةُ، فسيتمُّ عقدُ اعتصامٍ أمامَ شركةِ الكهرباءِ للمطالبةِ بعدمِ استيفاءِ الخمسةِ دنانيرَ!"
4/4
حينَ تَمَّ الانتهاءُ من استكمالِ جمعِ توقيعِ آلافِ المواطنينَ على تلكَ العريضةِ، ترأَّسَ (نعنع البري) الوفدَ الشعبيَّ إلى مجلسِ الشعبِ من أجلِ تسليمِ العريضةِ التي تطالبُ بالتوقفِ عن استيفاءِ مبلغِ خمسةِ دنانيرَ من أيِّ مواطنٍ يريدُ إعادةَ إيصالِ التيارِ الكهربائيِّ إلى بيتهِ. في داخلِ المجلسِ، كانَ الاجتماعُ مع اللجنةِ المختصةِ بهذا الموضوعِ اجتماعًا إيجابيًّا؛ فقد كانَ كلامُ أعضاءِ الوفدِ الشعبيِّ مقنعًا لأعضاءِ اللجنةِ النيابيةِ المختصةِ. لذلكَ، وعدَ أعضاءُ اللجنةِ أعضاءَ الوفدِ الشعبيِّ بأنَّهم سيتحدَّثونَ مع الحكومةِ في هذا الموضوعِ. بعدَ ذلكَ، انتهى الاجتماعُ، وعادَ أعضاءُ الوفدِ الشعبيِّ إلى بيوتهم في مختلفِ المحافظاتِ، مع قناعةٍ لديهم أنَّهم قد نجحوا في تحقيقِ الهدفِ الذي عملوا من أجلهِ.
في ظهيرةِ ذلكَ اليومِ، وحينَ عادَ (نعنع البري) إلى بيتهِ، تبيَّنَ له أنَّهُ دفعَ مبالغَ ماليةٍ في جمعِ التواقيعِ على العريضةِ، إضافةً إلى زيارةِ مجلسِ الشعبِ، تصلُ إلى عشراتِ أضعافِ الخمسةِ دنانيرَ التي كانَ يسعى إلى إيقافِ استيفائها منه عندما يتمُّ فصلُ التيارِ الكهربائيِّ عنه. وقتَها، ضحكَ على نفسهِ بطريقةٍ هستيريةٍ، ثمَّ قالَ لنفسهِ: "الحلُّ الوحيدُ: لا تتأخَّرْ بالدفعِ كي لا يتمَّ فصلُ التيارِ الكهربائيِّ عنكَ، وتضطرَّ لدفعِ الخمسةِ دنانيرَ في كلِّ مرةٍ!" خاصةً أنَّ الاحتجاجَ عليها يكلِّفُكَ عشراتَ أضعافِها!