النسخة الكاملة

الأقصى حق خالص للمسلمين

الخميس-2025-08-21 10:44 am
جفرا نيوز -
علي ابو حبلة

أكدت محكمة العدل الدولية في أكثر من مناسبة أن الحرم القدسي الشريف بكامل مساحته ومبانيه وساحاته ومصاطبه هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تملك أي حق قانوني في تغيير طابعه أو المساس به. وقد سبق أن دعمت لجنة تحقيق بريطانية شكّلت عام 1930 هذا الموقف حين أقرت بأن الأقصى – بما في ذلك حائط البراق – هو جزء لا يتجزأ من الوقف الإسلامي الخالص للمسلمين، وبذلك أرست قاعدة قانونية دولية لا تزال سارية حتى اليوم¹.

الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعود جذورها إلى عهد الشريف الحسين بن علي، ليست فقط امتداداً تاريخياً، بل هي أيضاً معترف بها دولياً، حيث أقرها اتفاق عمان بين دولة فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية عام 2013، باعتبارها الضامن للحفاظ على الهوية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة². هذه الوصاية تمثل صمام أمان قانوني وسياسي في مواجهة محاولات الاحتلال الرامية إلى تغيير الوضع القائم (Status Quo).

رغم وضوح المرجعيات القانونية والتاريخية، تمضي سلطات الاحتلال بخطوات متسارعة نحو فرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى، في استنساخ لتجربة الحرم الإبراهيمي بالخليل بعد مجزرة عام 1994. الاقتحامات اليومية للمستوطنين، والتي تجري تحت حماية قوات الاحتلال، ليست مجرد استفزاز ديني، بل هي جزء من خطة ممنهجة لتكريس السيادة الإسرائيلية على الحرم، في مخالفة صريحة للقانون الدولي.

إن قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي واضحة في هذا السياق؛ فقد نص القرار 252 (1968) على بطلان جميع التدابير التي تتخذها إسرائيل لتغيير وضع القدس³، وأكد القرار 476 (1980) أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي غيرت طابع المدينة المقدسة لاغية وباطلة?، فيما شدد القرار 478 (1980) على عدم الاعتراف بالقانون الأساسي الإسرائيلي بشأن القدس?. كما أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر على قوة الاحتلال القيام بأي تغيير في الطابع أو الوضع القانوني للأراضي المحتلة?.

إن انتهاكات الاحتلال بحق المسجد الأقصى تدخل ضمن نطاق جرائم الحرب وفق المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تجرّم «الاعتداء على المباني المخصصة للديانة» أو تغيير استخدامها خارج نطاق الضرورة العسكرية?. وبالتالي فإن محاولات التقسيم وفرض السيادة الإسرائيلية على الحرم تشكل جريمة مستمرة تستوجب المحاسبة.

إن الدفاع عن الأقصى ليس قضية دينية فحسب، بل قضية سيادة وحقوق أصيلة ترتبط بالهوية الوطنية الفلسطينية وبالأمن والاستقرار الإقليمي. ومن هنا، فإن الرد يتطلب موقفاً عربياً وإسلامياً موحداً، مدعوماً بعمل قانوني ودبلوماسي في المحافل الدولية، لحماية الحرم القدسي والحفاظ على الوضع القانوني القائم، وتعزيز الوصاية الهاشمية باعتبارها الضامن الأساسي لهذا الحق التاريخي والديني.

إن الأقصى سيبقى حقاً خالصاً للمسلمين، والاعتداء عليه هو اعتداء على الأمة جمعاء وعلى الشرعية الدولية ذاتها. وبالتالي فإن حماية المسجد الأقصى ليست خياراً، بل واجب قانوني وأخلاقي وسياسي لا يقبل التأجيل أو المساومة.

الهوامش والمراجع

1. لجنة التحقيق البريطانية حول حائط البراق (تقرير لجنة شو، 1930)، وثائق الأمم المتحدة، ملف النزاع على الأماكن المقدسة.

2. اتفاقية الوصاية الهاشمية – عمان، 31 آذار/مارس 2013، الموقعة بين الرئيس محمود عباس والملك عبد الله الثاني.

3. قرار مجلس الأمن رقم 252 (1968)، الأمم المتحدة.

4. قرار مجلس الأمن رقم 476 (1980)، الأمم المتحدة.

5. قرار مجلس الأمن رقم 478 (1980)، الأمم المتحدة.

6. اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، المواد 47 و49 و53.

7. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، المادة 8/2/ب/9.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير