جفرا نيوز -
المحامي محمد زهير العبادي
في المجتمعات الحديثة أصبحت السياسة الجنائية تتبنى الاتجاه الذي يدعو إلى الحد من العقوبات السالبة للحرية والبحث عن عقوبات بديلة لها، كون سياسة الحد من العقاب هي إحدى افرازات التطورات التي تحدث في مجمل النظم التي تحكم الفرد في المجتمع سواء السياسية أو الاقتصادية أو التربوية أو الاجتماعية والتي شكلت رقيا في طبيعة حياة أفراد المجتمع.
وإن كان الاهتمام بالعقوبة كأساس للردع العام والخاص، فإن سياسة الحد من العقاب تنأى عن هذا التوجه لما للعقوبات السالبة للحرية من سلبيات تفوق النتائج المرجوة منها، لذلك اتبع المشرع الأردني منهج السياسة التشريعية في الحد من العقاب واعتمد بدائل إصلاحية منهجها الموازنة بين إنزال العقوبة اللازمة ومدى جدوى هذه العقوبة ونتائجها على المجتمع دون أن يلغي صفة التجريم عن الفعل، وإن سياسة الحد من العقوبة تطبق لغايات اقتصادية تتمثل بحل مشكلة اكتظاظ السجون وارهاق ميزانية الدولة بتكاليف إيواء المساجين، أما من الناحية الاجتماعية فإن الحد من العقوبة هو سبيل لإعادة دمج الجاني في المجتمع وحماية كرامته والابتعاد عن المبالغة في الردع الجزائي خاصة على الأشخاص الغير مكررين للفعل والأحداث صغار السن والمعيلين لأسرهم وهي بذلك تساعد المحكوم عليه بالبقاء مع أسرته وعلى تواصل مع مجتمعه.
السياسة الجنائية الحديثة في الأردن قد سعت الى تحقيق التوازن بين الردع والعقوبة من جهة وبين الإصلاح وإعادة التأهيل من جهة أخرى بما يتماشى مع مبادئ العدالة وحقوق الانسان والمصلحة المجتمعية، حيث بدأ المشرع الأردني بتبني سياسة الحد من العقاب كنهج يهدف الى تخفيف العقوبات السالبة للحرية واستبدالها بتدابير بديلة تسهم في الحد من الاكتظاظ داخل مراكز الإصلاح والتأهيل سعيا منه لتعزيز الاستقرار المجتمعي، كما وأحسن المشرع الأردني عندما اتبع سياسة الحد من العقوبة تدريجيا تماشيا مع مبدأ الاستقرار التشريعي.
مفهوم سياسة الحد من العقاب:
هي توجه قانوني وقضائي يهدف الى تقليل استخدام العقوبات السالبة للحرية (السجن والحبس)، وتشجيع عقوبات بديلة لها مثل الغرامة والخدمة المجتمعية والمراقبة المجتمعية وحظر ارتياد أماكن محددة والإقامة الجبرية والبرامج والتأهيل والمراقبة الالكترونية والإفراج المشروط وتأجيل التنفيذ والتدابير الاحترازية مثل منع السفر، والهدف من العقوبات البديلة التركيز على التأهيل والإصلاح بدلا من الاقتصار على العقاب.
مظاهر تطبيق سياسة الحد من العقاب في الأردن:
- قانون العقوبات المعدل:
ادخل المشرع تعديلات على قانون العقوبات الأردني بحيث رفع الحماية الجزائية عن بعض الجرائم مثل جرم اصدار شيك لا يقابله رصيد وخفف من تشديد بعض العقوبات ووضع تشريعات وجوبية ومنها تقديرية للقاضي في استبدال الحبس والتوقيف بتدابير بديلة، كما ووسع من الجنح المشمولة بصفح المشتكي.
- قانون التنفيذ الجديد رقم 9 لسنة 2022:
والذي ألغى حبس المدين واستثنى من هذا الإلغاء الديون الناشئة عن عقود العمل وعقود الايجار لأسباب اجتماعية.
- القضاء الإصلاحي للأحداث:
تم انشاء نظام قضائي خاص بالأحداث يركز على إعادة تأهيل الحدث لا معاقبته ضمن فلسفة العدالة الإصلاحية.
التحديات التي ستواجه سياسة الحد من العقاب:
إن سياسة الحد من العقاب وبشكلها الجديد لم تظهر آثارها المجتمعية بعد، فيجب على المشرع وصانع القرار أن يستحضر موقف المجتمع وجس نبضه وردود فعله بعد تفعيل سياسة الحد من العقاب لمعرفة مدى ملائمة هذه السياسة المجتمعية لمجتمعنا، كون هذه السياسة وفي بعض المجتمعات لم تلق قبولا خصوصا رفضها لشمول هذه السياسة لبعض الجرائم التي تمس الأمن المجتمعي والجرائم الأخلاقية.
كما أن تجهيز بنية تحتية أمر ضروري لتنفيذ العقوبات البديلة مثل برامج الخدمة المجتمعية والمراقبة الالكترونية، فضعف وغياب البنية التحتية هو بمثابة إلغاء العقوبة وليس الحد منها، فلا يتعين الركون الى النصوص في ظل غياب البنية التحتية.
بالنتيجة إن سياسة الحد من العقاب في الأردن هي خطوة مهمة في تحديث منظومة العدالة وتحقيق توازن بين هيبة القانون وكرامة الانسان ونجاح هذه السياسة مرتبط بإرادة ومراقبة تشريعية مستمرة وتحديث البنى القضائية والتنفيذية، وتثقيف المجتمع بأهمية هذه السياسة التشريعية.