النسخة الكاملة

سياسة الدين ودين السياسة

الأربعاء-2025-07-16 11:26 am
جفرا نيوز -
الدكتور هاشم احمد بلص

لطالما كانت العلاقة بين الدين والسياسة معقدة ومتشابكة، إذ يلجأ البعض إلى توظيف الدين كأداة لخدمة أهداف سياسية، بينما يستخدم آخرون السياسة لفرض تأويل معين للدين، هذه العلاقة الملتبسة بين "سياسة الدين" و"دين السياسة" تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول حدود الدين في المجال العام، ومشروعية توظيفه في خدمة أجندات خاصة.

سياسة الدين تعني تدخل الدولة أو القوى السياسية في الشؤون الدينية بهدف السيطرة أو التوجيه، يحدث ذلك عندما تُسخَّر المؤسسات الدينية لخدمة النظام السياسي، أو عندما يُفرض تفسير معين للدين يتماشى مع رؤية الحاكم أو الحزب المسيطر، في مثل هذه الحالات، يصبح الدين أداة للشرعنة؛ يُستخدم لتبرير القرارات السياسية وإضفاء قداسة على السياسات العامة، حتى لو كانت ظالمة أو فاسدة، مما يؤدي ذلك إلى تكميم الأصوات المعارضة، إذ يُتهم المعارضون ليس فقط بالخيانة السياسية، بل أيضًا بالردة أو الضلال، ما يشكل تهديدًا مزدوجًا لحريتهم وأمانهم.

وعندما تُستَغل المعتقدات الدينية لتحقيق أهداف دنيوية فنحن امام "دين السياسة" وتعتبر ظاهرة أكثر خطورة، حيث يُختزل الدين إلى مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، يستخدم بعض السياسيين الخطاب الديني لاستمالة الجماهير، ويُلوِّنون وعودهم الانتخابية بصبغة دينية لإثارة المشاعر وضمان الولاء، في هذا السياق، يُعاد تفسير النصوص الدينية وتوظيفها خارج سياقاتها، وتُبنى التحالفات لا على البرامج الواقعية بل على "ورقة الدين" التي تضمن التجييش والتعبئة، خاصة في المجتمعات المتدينة أو المتأثرة بخطابات الهوية.

تكمن خطورة استخدام الدين بين القداسة والتوظيف في أن استغلال الدين يفرغه من محتواه الروحي والأخلاقي، ويجعله مجرد أداة دعائية، كما يؤدي إلى انقسام المجتمع بين "المؤمنين الحقيقيين" و"الآخرين"، وفقًا لمعايير سياسية وليست دينية، مما يفتح الباب أمام العنف والتكفير والتهميش، والأخطر من ذلك، أن هذا الاستغلال يُفقد الناس الثقة في الدين ذاته، ويؤدي إلى ردود فعل عكسية، قد تصل إلى الإلحاد أو العداء للدين، لا بسبب جوهره، بل بسبب سوء استخدامه.

ليس المقصود هنا فصلًا قسريًا بين الدين والسياسة، بل الفصل بين التوظيف الفاسد للدين والمشاركة الأخلاقية في السياسة، فالدين يعد مصدرًا للقيم والعدالة والمبادئ الإنسانية، دون أن يتحول إلى أداة للهيمنة، حيث يتطلب ذلك وعيًا مجتمعيًا، ومؤسسات دينية مستقلة، وسياسيين يتعاملون مع الدين بتقدير لا استغلال،  كما يستوجب إعلامًا حرًّا وناقدًا يفضح محاولات التستر بالدين لتحقيق مصالح ضيقة.

الدين، في جوهره، دعوة إلى الخير والعدل، لا إلى القمع والاستغلال، والسياسة حين تُمارس بنزاهة تعد وسيلة لتنظيم الحياة العامة وخدمة الناس، لا لتقديس الأشخاص أو تبرير الطغيان، وعليه، فإن حماية الدين من السياسة، والسياسة من استغلال الدين، ضرورة لبناء مجتمع عادل وحر ومستقر.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير