النسخة الكاملة

الفتيلة المُدَخِّنَة وصغار الشرَر

الإثنين-2025-07-07 10:08 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

أظنها أسئلة عابرة للأجيال والأمم والقارات. هل الإنسان خيّر أم شرير؟ عارف أم جاهل؟ حكيم أم أرعن؟

لكل إجاباتها الفرعية والشرطية والاستدراكية، لكن من الثابت أن الأمر ذاتي وظرفي. الإنسان هو الإنسان لم يتغير لا بحكم المكان ولا بسطوة الزمان. إن تغير أو تم تغييره من الخارج فإن جوهره واحد لأن مبتدأه ومنتهاه واحد. من تراب وإلى تراب.

أعظم صنائع الإنسان وأكثرها بشاعة تراها واحدة مخترقة حواجز المكان والزمان والصوت. قد يبلغنا الذكاء الاصطناعي يوما القدرة على إقامة «هوليغرام» يعيد تجسيد ما كنا وما زلنا نتعارك عليه في التاريخ من عقائد ومواقف وانطباعات، قد يتم نسفها من أساسها، وإعادة سردها بما قد تظهره حقائق لا سبيل إلى دحضها أو تجاهلها.

من يدري، إن كنا نتابع عبر الشاشات والمنصات سرديات انتصار إسرائيل وإيران والمقاومة على بعضها بعضا، وإن كان نظاما سابقا وآخر حاليا ولو كان انتقاليا هو من يصنع النصر سمعيا وبصريا! كلٌ ينظّر ويغلّظ الأيمان على صدق روايته، فليس بغريب أن يتضح لنا يوما أن حرائق تاريخية ما زالت مستعرة في الدنيا جراء التقصير في إجراءين بسيطين خفيفين على اليدين ثقيلين في موازين الرضى والتقى ألا وهما الإسراع في إطفاء ما كان مستصغر الشرر، والإسراع أيضا في مداراة وتأصيل وتحفيز أصغر وأرق خيط دخان في فتيلة فيها الخير والنعمة والبركة كلها.

من أكثر ما أعتز به في الحياة أولئك البناة الأوائل الذين يحسنون «تقدير الموقف» العام، وليس مجرد حسن قراءة مشهد، موقف، حرب، أزمة أو فرصة، هنا وهناك. لا بد من الاتساق مع الذات أولا ومن ثم جميع ما حولنا من «طوارئ» عابرة ولو بعد حين.

 من أجمل العبارات التي سمعتها في المهجر، شاهدا على زهو مدير مهم باستلامه منصب من سبقه بالخدمة، الزعم بأن مشكلة الراحلين ممن سبقوه في تحمّل المسؤولية تكمن في «عدم قدرتهم على التخيّل» فالإبداع أو الابتكار أو أقله عدم إعادة تجريب المجرّب وتكرار الأخطاء إلى حد الاجترار!

كلما سمعت عن «هوشة أو طوشة» ما من شك أن أحد أطرافها من الرعاع الواجب تأديبهم بأكثر الأدوات خشونة، كلما عرفت عن حادث سير أو حادثة جراء إهمال أو حتى سهو أو ما يسميه البعض سوء حظ أو يتجرأ ويرمي به «القضاء والقدر» هكذا جزافا واستسهالا، تذكّرت الأسئلة أعلاه وأتبعتها بتساؤل: إلى متى؟ ثمة من أدمن الانتظار ولوم الآخر، وثمة -وأولئك فيهم الرجاء- من يسارعون كرجال الإطفاء بإطفاء صغار الشرر، ويمشون حثيثا ويهرولون إن لزم الأمر باتجاه كل فتيلة مدخّنة، فيزكّوها ويذْكوا نارها، حتى تنير وتطهّر وتنضج وتبدد الظلمة والظلام..

سألت كبارنا -كبار البلد- سألتهم بالله، أن يبقوا على «فتايلنا المدخّنة»، فدورنا وديارنا عامرة بهم.. لا أريد طرح أي قضية بأسماء وتفاصيل لي علاقة بها بشأن قريب أو بعيد، إلا أن ظاهرة الهجرة والتهجير، الإقصاء والتهميش ثبت أنها بفعل فاعل، عادة ما يكون «فاقد القدرة على التخيّل»!

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير