جفرا نيوز -
بشار جرار
لا الزمان زمان ولا المكان مكان. في كثرة الترحال والأسفار تتضح هذه المقولة. عندما تبلغ الأمم شأنا كبيرا من العظمة ترى الدنيا وتقرأ التاريخ لا من موقع قدمها، بل مما يطالها ذراعها. الأهم، أنها ترى قبل أن تقرأ من زاويتها وبلغتها وبثقافتها، بحضور ترجمان أو غيابه، سيّان!
ليس لحداثة عمرها، بل لحرصها على قطع كل صلة بالماضي غير الحميد، ممثلا بأمراض أوروبا في الإقطاع السياسي والإقطاع الاقتصادي-الاجتماعي، خاصة الدول الاستعمارية منها، وبالأخص بريطانيا العظمى التي ما كانت الشمس لتغيب عنها. لا زالت تعتبر كلمة تاريخ أو الماضي إشارة على النهاية، لا بل الموت. إن ثار جدال أو وقعت خصومة بين طرفين، وقال أحدهما أن الأمر أو العلاقة أصبحت «تاريخا»، فذلك ختم بالشمع الأحمر لها.
لا يحب الأمريكيون على اختلاف انتماءاتهم وخلفياتهم النبش بالماضي ولا استحضار حتى أمجاده. الأمة الأمريكية التي تعدّ وتحصى ما يقارب الثلاثمئة وخمسين مليون نسمة -الثالثة بعد الصين والهند- تعيش كل يوم بيومه. نحن أبناء اليوم، كما يقال. دع الغد ليوم غد وما بعده. طبعا دون التقصير في الدراسات المستقبلية وصناعة الحاضر والمستقبل، كل في اختصاصه، بعيدا عن الشعر والنثر!
للأرقام سحرها وألقها. فيها طاقة وعليها هالة! بعضها متجذر في الصخرة التي قامت عليها الثورة والحضارة الأمريكية ألا وهي القيم الكتابية، بمعنى الكتاب المقدّس، بعهديه القديم والجديد.
عاشت أمريكا قبيل دخول الألفية الثالثة صولات وجولات من أهمها الخوف من التصفير الحاسوبي الذي عاش فيه البعض وعلى مستوى العالم، خوفا وقلقا مرضيا من ظهور الرقم 2000 على الشاشات. ما كان الخوف مقصورا على البورصات والبيانات الحياتية والحيوية، بل على كل ما يحفظ تلك الأرقام المشفّرة الخاصة بالترسانات النووية حول العالم، المعلن منها والخفي!
أما وقد احتفلنا الجمعة الرابع من تموز، بدخول العم سام العام الخمسين بعد المئوية الثانية لاستقلال أمريكا عن تاج الإمبراطورية البريطانية، فإن السجال هذه المرة ليس على ما مضى فقط، بين الجمهوريين والديموقراطيين وداخل الحزبين، بل على ما ستسفر عن ولايتي ترمب، وإذا ما كان يعني بشكل جاد، إطلاق رابع حملاته الرئاسية الانتخابية، ويصبح دونالد جيه ترمب، أول رئيس ثلاثي الرئاسات، في بلاد العم سام.
ليت محبو أمريكا ومن هم على خلاف مع تاريخها أو سياساتها ينسون الماضي أو يتناسونه على الأقل في السنوات الثلاث المقبلة، علّنا نصنع معا عبورا آمنا للولاية التالية، سواء أكانت من نصيب ترمب، أم نائبه جيه دي فانس، أو وزير خارجيته اللامع بشكل صاروخي ماركو روبيو، أو -وهذا مستبعد- تمكّن الحزب الآخر (الديموقراطي) أو البديل (حزب أمريكا الذي يهدد إيلون ماسك بتأسيسه) تمكّن من طرح مرشح قادر على الوقوف أمام الموجة الحمراء التي إن كسبت الانتخابات التمهيدية الرئاسية العام المقبل والمعروفة أيضا باسم التجديد النصفي للكونغرس، فإنه لا رادّ لها لولاية أو اثنتين..
في الحالين، اليمين ليس قادما فحسب، بل سيزداد عنفوانا في نظر مؤيديه عن قرب، وشراسة بأعين ناظريه عن بُعد!