جفرا نيوز -
من بين الرياح الباردة، من بين صقيع الأيام وجمر الليالي، خرجوا إليك، لا يأبهون بقرٍّ ولا بمطر، لا يشترطون موعداً ولا يطلبون إذناً. هرولوا خلف موكبك، حفاة إلا من حلم، عراة إلا من وفاء، جائعين إلا من كرامة، ومعدمين إلا من انتماء،
بجيوبٍ لا تحمل إلا الفتات، وبآمالٍ تضجُّ برغيفٍ لا يُعصى عليه الصعود إلى المائدة… خرجوا إليك. خرجوا بكل ما يملكون من انكسار، بكل ما يملكون من حب، بكل ما تبقى لهم من حلم. منهم الموجوع، ومنهم من نخرَ المرض عظامه، ومنهم من لم يعد يملك من الدنيا إلا هذا الوطن، يقبضون عليه كما يقبض الجريح على موضع النزف.
يا سيدي، هؤلاء الذين إن مسّهم الظلم صبروا، وإن مسّهم الجوع احتسبوا، وإن ناداهم الوطن هبّوا، وإن صافحتهم بالأمل، أعطوك العمر كله حباً.
هؤلاء، يا سيدي، ليسوا طلاب عطايا، ولا سُعاة دنانير، ولا طامحين لموائد ممتدة. هؤلاء الذين إن هبط الليل جائعاً ناموا، وإن ضاقت الدنيا صبروا، وإن أكل الفقر أحلامهم لم يمدّوا أيديهم إلا للسماء، وإن أظلمت عليهم الحُكم لم يكفروا بوطنهم لحظة!
يا سيدي، خرجوا إليك ليجددوا العهد والبيعة بصمتٍ لا يجيده المتزلفون. خرجوا ليقولوا لك: نحن هنا! هنا رغم العوز، رغم القهر، رغم الظلم، رغم الجُرح الذي يتقيّح من سنوات.
هم يطلبون وينتظرون ويريدون وطناً لا تُختطف فيه العدالة، لا تتحكّم به الأبواب المغلقة، لا يُقصى فيه المخلص لصالح الانتهازي، ولا يُحاصر فيه الصوت الصادق بتهمٍ جاهزة وعباراتٍ مكرورة.
لا يريدون وعوداً، ولا خطابات، ولا شعارات تُلقى عليهم . يريدون وطناً يتسع لهم كما وسِعتهم صدورهم حين ضاقت بهم الحياة. يريدون عدلاً، لا محسوبية.
هؤلاء هم السند، هم الحصن، هم الحكاية التي لا تُكتب إلا بالصدق، ولا تُقرأ إلا بالعاطفة، ولا تُحفظ إلا في القلوب. هؤلاء الذين خرجوا إليك ياسيدي ، لم يكونوا ينتظرون شيئاً، فقط أرادوا أن يقولوا لك: نحن هنا…
يحيى الحموري