جفرا نيوز -
بشار جرار
من كاشفات الحقائق دون الحاجة إلى استخدام جهاز «بُلِغْراف» المعروف بكاشف الكذب، هي ما تفصح عنه قسمات الوجه أو فلتات اللسان أو (ما يصدر أو لا يصدر) عن الجوارح. ذلك التصفيق الحار الذي حظي به رئيس لبنان الجديد والقائد السابق لجيشه فخامة الرئيس العِماد جوزاف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية. تعمّدتُ استخدام الصفة الرسمية كون من استمع وشاهد وقائع جلستي تصويت مجلس النواب الخميس الماضي -والذي كان رهينة لدى ميلشيات حزب الله الإيرانية في لبنان- يدرك أن تنصيب الرئيس الرابع عشر لما كان يعرف بسويسرا الشرق إنما هو بمثابة الاستقلال الثاني وربما الحقيقي للأمة اللبنانية، نعم أمة، وفقا لنصّ القسم.
خلال الإعداد لمقالتي «غوغلت» حثيثا باحثا عن إجابة عن سؤالين لم أرَ أيا منها في أرشيف المنصات كلها، ومنها «يوتيوب». السؤال الأول والأهم: هل كان اختيار العماد جوزاف (هكذا يرسم الاسم كتابة لتمييز النطق المجاور لمنزلتيْ الألف والياء) هل كان اختيار كلمة «عهدي» بداية كل تعهّد -لا مجرد وعد- سُنّة حميدة ابتدءها أم سبقه إليها الرؤساء الثلاثة عشر؟ أما السؤال الثاني، فهي الكلمة الأكثر مفتاحية ودلالة في الخطاب، ألا وهي «أُكرِّرْ» -هل كانت عفوية بنت اللحظة أم مكتوبة مطبوعة على الورقة، عندما تعهّد بأن يصير السلاح الشرعي حصريا بيد الدولة وحدها، كما هي الأصول في بلاد السيادة والقانون والمواطنة. تقرير وتكرار نزل وقعه كما الصاعقة على رؤوس الممتنعين عن التصفيق وأولئك الذين صفقوا على مضض بابتسامة معروفة تاريخيا للبنانيين ولمحبي «سويسرا الشرق» من زوار لبنان خاصة العارفين بدهاليز وكواليس السياسة.
كان يوما جميلا فارقا لن تعكره فكاهيات-مبكيات في جلسة الاقتراع الأولى من تلاسن نيابي نابيّ، لعلها تذكرة تردع مدمني الحركات والقفشات البهلوانية تحت القباب وخارجها، «تُكتُكيا» وخلافه! سر جمال ذلك اليوم الفنيقي المشرقي العربي اللبناني تمثّل في مدى تفاعل الجمهور خارج بلاد الأرز مع لائحة التعهدات العونية الجديدة، والعون هنا كناية عن العون والإسناد الذي تلقاه وسيتلقاه جيش لبنان ورئاسته ومؤسسات الدولة كافة. العون الأردني والعربي والعالمي سيما وأن كثيرا من القضايا مشتركة وفي الصميم.
في جوار لبنان دول مازالت تحكمها ميلشيات وتغيب عنها المؤسسات. ثمة قضايا جوهرية مشتركة منها قضايا اللجوء الذين سموه «نزوحا» في لبنان إمعانا في التعدي على سيادته المذبوحة المصلوبة منذ عقود باسم العروبة تارة والنضال تارة والمقاومة والممانعة تارات أخرى!!
كان من الظلم تسمية الكثير مما نزفه الوطن اللبناني من حروب وإرهاب، حروبا أهلية، كانت دولية وإقليمية على أرض لبنان الحبيب. لاعتبارات شتى، ليس المقام مناسبا للخوض في التفاصيل من على هذا المنبر الكريم، الدستور الغراء، لكن ربما في ندوات أو بالأحرى خلوات، بالإمكان الاستفاضة في دراسة دلالات كلمتي «عهدي» و»أكرر».. اللائحة ليست طويلة لكنها غاية في التفصيل والتعقيد والخطورة: الإقامة (استضافة إنسانية موقوتة مشروطة) خطر التجنيس قاتل، قنبلة موقوتة بكل معنى الكلمة في بعض الدول ذات الخصوصية، في قضايا الديموغرافية والموارد الطبيعية والبشرية، والموقع الجيوسياسي والمكانة الحضارية والاستراتيجية.
ربنا يحمي لبنان ويعين الجميع -إقليميا ودوليا- على إعادته سويسرا الشرق أو أمريكا الشرق التي تمكنت عبر بوتقة الانصهار «مِلْتِنْغْ بُتْ» -قبل عبث اليسار المنحل المختل بها- من التخلص من ويلات ومآسي الظلم الاقتصادي الاجتماعي والاضطهاد الديني والسياسي في أوروبا القديمة إبان التأسيس للنظام العالمي الجديد، ممثلا بقيام أمريكا الآباء المؤسسين..