جفرا نيوز -
عمر عليمات
لا شيء أخطر على الدولة الأردنية من خطاب يُقوض الثقة بها، عبر الإيحاء بأنها تفتقر إلى الهوية والمشروع، وكأن شرعيتها أو وجودها بحاجة إلى إثبات، والأدهى من ذلك أن متبنّي هذا الطرح يعتقدون أنهم يدافعون عن البلد ومستقبله.
البعض وفي معرض دفاعه عن الدولة يتحدث عن فكرة مفادها أن التطورات والمستجدات التي تعصف بالمنطقة، وتحيط بالأردن بشكل خاص، تستلزم البحث عن الهوية الوطنية، وإنتاج مشروع يلتف حوله الأردنيون، لتمتين الجبهة الداخلية، ومواجهة إفرازات تحديات المرحلة الراهنة، وهو بهذا، ومن حيث لا يدري يضرب في ركائز الدولة وأساساتها، ويضعف الثقة بصلابة هويتنا.
أصحاب هذا الطرح، وإن كنا على ثقة تامة بنقاء سريرتهم، إلا أن محاولتهم للدفاع عن الدولة انحرفت إلى مسار سلبي، بتصويرها ككيان يفتقر إلى هوية ومشروع، وهذا الطرح بعيد كل البعد عن حقيقة الوضع في الأردن، فالمملكة لم تكن يوماً مجرد دولة تسعى للبقاء في محيط مضطرب، بل كانت دائماً دولة مشروع يحمل رؤية واضحة؛ سواء من حيث المشروع الوطني وبناء دولة القانون والمؤسسات المرتكزة على أسس متينة، أو من حيث المشروع الأوسع والمتمثل في تعزيز مكانة الأردن الإقليمية والدولية، ودوره النشط في تعزيز استقرار المنطقة.
الدولة الأردنية ليست وليدة الصدفة، ووضعها في صورة كيان يبحث عن أسس يرتكز عليها، لمواجهة التحديات، يتجاهل حقيقة أن الأردن كتب تاريخه عبر صفحات مليئة بالتحديات والصعاب والإنجازات، بدءاً من مرحلة التأسيس وصولاً إلى دخول المئوية الثانية، وخلال هذه العقود لم تكن الهُوية الأردنية غائبة؛ فالأردنيون منذ عبدالله الأول وحتى عبدالله الثاني أصحاب مشروع وطني واعٍ ومدروس، وقائم على شرعية متجذرة منذ فجر الثورة العربية الكبرى.
الأردنيون بقيادتهم الهاشمية وعلى مدى عشرة عقود أسسوا دولة قادرة على التحدي وعلى التعامل مع الأزمات، دولة كانت على الدوام حاضرة في كل محطات الصراع الإقليمي، وكانت على الدوام قادرة على حفظ سيادتها وأمنها وأمانها، دولة تطورت وتقدمت في قطاعاتها العسكرية والتعليمية والصحية، دولة لطالما كان شعبها حاضراً عندما يتطلب الأمر، شعب ليس من محبي الشعارات وخوض الحروب الإلكترونية، بل يحمل هويته في قلبه وعمله، وإن تطلب الأمر تنقلب ناراً تأكل كل من يحاول المساس بالأردن، وكل ذلك لم يكن ليحدث إلا بفضل مشروع وطني راسخ، وهوية متجذرة.
مشرعنا الوطني هو مشروع حماية وازدهار الدولة الأردنية، وهويتنا ليست موضع خلاف، والحديث عن ضرورة العودة لهويتنا، والبحث عن مشروع وطني يلتف حوله الأردنيون يتجاهل تضحيات ودماء قدمها الأردنيون في سبيل الوطن، وضرب لثقة الناس، وإدخالهم في حالة من التشكيك والخوف، ودفعهم لتبني فكرة الدولة الهشة التي تفتقر إلى أسس الصمود.
نعم، نحن بحاجة إلى التطوير والتحديث، ونحن بحاجة لتمتين جبهة الداخلية، ويجب أن تبقى مصالحنا الوطنية هي العنوان العريض الذي يوجه كل السياسات والاستراتيجيات، ونحن بحاجة إلى التكاتف، والعمل والبناء، ولكننا لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع هويتنا أو مشروعنا الوطني.
باختصار، الدولة الأردنية ليست بحاجة إلى إعادة تعريف أو مشروع مستحدث؛ هي دولة بنيت على مشروع متجذر أثبت نجاحه على مدار مئة عام. المطلوب في هذه المرحلة التركيز على تطوير الأدوات والآليات لجعل المشروع أكثر قدرة على مواجهة المستقبل، أما الحديث عن معضلة البحث عن الهوية والمشروع فهذا أمر يدخل في باب التخويف والتشكيك، وضرره أكثر من نفعه، وما هكذا يا سَعْدُ تُورد الإبل.