النسخة الكاملة

العودة واجبة وإن كانت طوعية

الثلاثاء-2024-12-31 12:02 pm
جفرا نيوز -
بشار جرار

«التمس لأخيك عذرا» ما زالت قاعدة ذهبية في التعامل بين الناس، فما بالك إن كان المعنيّ لاجئا ومضيفا. لكن الأعذار مسألة فيها نظر، وفق ما نراه واقعا يوميا لكلا الطرفين، منذ سقوط أو إسقاط حكم بشار ونظام الأسد البائد، المستبد الفاسد «قولا واحدا».

أخطّ هذه السطور بعيد الاستماع إلى مقابلة حصرية أجرتها «العربية» مع رئيس الإدارة الانتقالية في سورية، وبعد مشاهدة كم هائل من الفيديوهات ذات الصلة بما تضمنته محاور اللقاء الذي أجراه محترف المقابلات الخاصة طاهر بركة مع أحمد الشرع. «أبو محمد الجولاني» سابقا، كان قد أجاب على أسئلة الأخت جمانة كرادشة حصريا لشبكة سي إن إن بالعربية كاشفا عن اسمه الحقيقي وبراغماتيته و»نواياها الحسنة» بعد تحرير بلاده -سورية «الشام»- وكسر أهم حلقة في «محور المقاومة والممانعة والهلال الشيعي».

يستدل من المقابلتين بلغة الشرع، أن «الثورة السورية انتهت (نجحت) وبدأ عهد بناء الدولة».. وعليه، فإن مقتضى الحال ينادي «البلاد طلبت أهلها»، زال مبرر اللجوء من الناحية القانونية وهي النجاة بالعِرض والكرامة والدين والنفس والممتلكات إلى آخره من الألويات الموجبة للنزوح أو الهجرة. الحكم والنظام سقطا، وعمليا تم حلّ الجيش والأمن وطرد من تحالف مع النظام من ميلشيات و»مستشارين عسكريين». العدو اندحر والخطر زال. في المقابل، المبررات ذاتها التي دفعت بالملايين إلى اللجوء هي التي تفرض عليهم واجب العودة، حيث تنادي سورية الجديدة الجميع بحسب الشرع، إلى بناء الوطن الذي دمرته ستة عقود ونيّف من القمع والفساد. الحديث كما سمعنا في أحدث طبعة من تلك المقابلات، لم يعد صادرا عن حكومة تصريف أعمال ولا قادة مناصب انتقالية لثلاثة أشهر، الحديث صار -على المكشوف- من ثلاث سنوات (كتابة الدستور الجديد) إلى أربع سنين (إجراء انتخابات بعد إجراء إحصاءات عامة للسوريين داخليا، وفي بلاد اللجوء والمهجر والشتات).

تحية للإعلام المصري في رفع الصوت عاليا بحضّ السوريين على العودة إلى بلادهم، دون حرج. فتلك مسؤولية وطنية لا بل بالنسبة لجماعات «اللون الواحد» هي فرض عين لا كفاية!

بعد التماس الأعذار من الناحية الواقعية لمن يخشون الآن أكثر على حياتهم بسبب فيديوهات الإرهاب والعنف والفوضى التي قد يكون منها ما هو الحقيقي المتعمد وكذلك ما تم تزييفه كليا للغاية نفسها، وهي استمرار حالة التخويف من العودة، وبالتالي تأزيم مركّب تراكمي ثمة من يستفيد منه داخليا وخارجيا.

استمرار اللاعودة خطر مركّب على سورية وعلى كل من اللاجئ والمضيف. كلما مر الزمن تتفاقم المشكلة. صحيح أن «الحقوق لا تسقط بالتقادم» لكن المسائل ذات التعقيدات الإنسانية، الاجتماعية الاقتصادية والقانونية السياسية تعني الكثير. لكل بلاد خصوصيتها سيما فيما يتعلق بالموارد الطبيعية الأساسية الحيوية كالماء، وسوق العمل، وهوية البلاد التي تتعرض للاستهداف من خلال التجنيس الجائر أو الإقامة -بالأمر الواقع- المليئة بفخاخ التأزيم عاجلا أم آجلا.

«ما في زود» كما يقال على الخطاب الرسمي. الأردن ما زال يقدم النموذج فيما يخص التعامل مع هذا الملف المزمن من جهة، ومع الجوار والمحيط الإقليمي وشبكة العلاقات الدولية، من جهة أخرى.

لكن قد يكون من المناسب تصدي نخب وقيادات من المعنيين بسورية الجديدة إلى تحفيز وتسريع وتسهيل هذه العودة. المبادرة قد تستوجب قرارا أمميا أو من الجامعة العربية أو على الصعيد الثنائي الرسمي، أو وهذا في متناول اليد، أولئك الذين أقاموا جسور تواصل مع النظام السابق والانتقالي. نعم كلاهما معنيان ولو ظاهريا بعودة اللاجئين والمشاركة في صنع سورية الجديدة التي لا بد أن يخرج منها الأغراب كلهم وليس الإيرانيين وميليشياتهم فقط.

جرّبنا كيف تعاملت الأطراف منذ اندلاع الأزمة السورية وغيرها من ساحات «الربيع العربي» وقبلها «الفوضى الخلاقة»، فليس أقل من ألا «نلدغ من الجحر مرتين».. كما حضرت المليارات لتمويل الحرب على مدى عشرية وأكثر، بضعة مئات الملايين كفيلة بتصفير ساحات اللجوء الأكثر حساسية لأسباب شتى وهي الأردن ولبنان.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير