النسخة الكاملة

كيف تفشل ثورة

الإثنين-2024-12-30 12:04 pm
جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف

الغرب يتحدث عن الحرية، لكنه يسعى دائمًا لفرض استقرار يخدم مصالحه الإمبريالية - إدوارد سعيد.

من بين مبررات الولايات المتحدة لاحتلال العراق عام 2001 كان الزعم بأن نظام الرئيس صدام حسين استبدادي وقمعي ينتهك حقوق الإنسان، وأن الإطاحة به ستفضي إلى بناء ديمقراطية في العراق وتسهم في نشر الديمقراطية في المنطقة، لكن ما حدث على أرض الواقع آنذاك كان تدمير العراق وتفكيك مؤسساته، وتعزيز الانقسامات الطائفية، ودعم نخب سياسية فاسدة، فضلاً عن نهب موارده النفطية.

وهذا ينطبق أيضاً على الثورات العربية التي ساهمت الولايات المتحدة في اختطافها لتحقيق الفوضى أو إعادة إنتاج الأنظمة القديمة بشكل أكثر بشاعة.

ومن يتابع الأخبار في هذه الأيام يلاحظ أن الولايات المتحدة وربيبتها «إسرائيل» تسعيان لإفشال الثورة السورية. إذ يصرح الساسة الأمريكيون بأن الشرع يقول كل ما يرغبون في سماعه، مثل حماية الأقليات ومنع إيصال السلاح الإيراني إلى حزب الله أو أي دور لإيران في سوريا الجديدة، لكنهم يراقبون ما إذا كانت هذه الأقوال ستتحول إلى أفعال.

بل يضغطون على الشرع لتنفيذ فوري لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عام 2015، الذي يهدف إلى وضع خارطة طريق لإنهاء الصراع في سوريا. ووقف لاطلاق النار، وإجراء انتخابات رئاسية، وإدخال المساعدات الإنسانية.

لكن الشرع، وهو محق في رأيه، يؤكد أن سوريا غير جاهزة لتنفيذ هذا القرار في الوقت الراهن، لأنها ما زالت تغرق في الفوضى مع وجود ملايين السوريين خارج البلاد. ويرى أن البداية الصحيحة لتنفيذ القرار تكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط تُعنى بإعادة بناء مؤسسات الدولة واقتصادها.

وفي الوقت الذي يدعو فيه الشرع إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف تمكينه من المضي قدماً في إعادة بناء البلاد وتأهيل اقتصادها المدمر بالكامل، كما وصفه وزير الإعلام السوري محمد العمر، قام الكونغرس الأمريكي، الواقع تحت هيمنة اللوبي الصهيوني، بتجديد العقوبات على سوريا قبل ساعات من دخول هيئة تحرير الشام إلى دمشق. جاء هذا القرار رغم اعتراض بعض النواب المستقلين الذين طالبوا برفع جزئي للعقوبات على سوريا مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على نظام بشار الأسد. ورغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يمتلك صلاحية اتخاذ قرارات لتخفيف العقوبات دون الرجوع إلى الكونغرس، إلا أنه لم يخطُ أي خطوة في هذا الاتجاه حتى الآن.

وتهدد الإدارة الأمريكية سوريا بعدم حل قوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة منها، كما حذرت تركيا من أن أي عمليات عسكرية لها في شمال سوريا ستشكل تهديداً لأمنها القومي. بالإضافة إلى ذلك، صرحت الإدارة الأمريكية بأنها ستستمر في دعم الجيش الحر تحت ذريعة محاربة داعش. وبطبيعة الحال، ما زالت الولايات المتحدة تسيطر على حقول النفط السورية، التي يحتاج الشرع كل قطرة منها لإعادة بناء بلده المنهك.

وقبل أيام، اتهمت روسيا بشكل مباشر الولايات المتحدة وبريطانيا بالتخطيط لهجمات إرهابية تستهدف قواعدها، بعد أن زودتا تنظيم داعش بطائرات مسيرة هجومية. وهذا يحمل دلالة واضحة على أن الولايات المتحدة وبريطانيا لا ترغبان في تحقيق الاستقرار في سوريا.

ولم تكبح الولايات المتحدة جماح الصهاينة، الذين يحتلون مناطق في سوريا أو يستهدفون ترسانتها العسكرية، ويبدو أن كل ذلك يحدث بموافقة وتشجيع أمريكي.

وعلى الرغم من جميع الرسائل المطمئنة التي بعثها الشرع للصهاينة، وأهمها تأكيده أنه لا يسعى إلى أي صراع معهم وأن زمن الحروب قد ولّى إلى الأبد، وفي سابقة في الخطاب السياسي السوري لم يُصنَّف الصهاينة كأعداء، إلا أن الصهاينة ردوا باستهداف القدرات العسكرية السورية في أكبر عملية نفذها سلاحهم الجوي في التاريخ. كما احتلوا جبل الشيخ وتوغلوا في الأراضي السورية حتى مسافة 20 كم من دمشق، بالإضافة إلى دعمهم للفصائل الموالية لهم للسيطرة على مناطق إضافية في سوريا. بهذه التصرفات، يوجهون رسالة واضحة مفادها أنه لا سلام مع سوريا، بل استمرار حالة الحرب.

وقد تسربت وثائق على الإنترنت تثبت أن الصهاينة دعموا نظام بشار الأسد ليبقى ضعيفاً لكن مسيطراً على معظم سوريا، وما إن سقط حتى تم تدمير القدرات العسكرية السورية. سنتحدث غداً بتفاصيل هذه القصة.

لذلك، وحتى كتابة هذه المقالة، فإن تصرفات الولايات المتحدة والصهاينة تبدو وكأنها تهدف إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، تشمل كياناً كردياً في الشمال، وآخر درزياً في الجنوب، ومنطقة علوية على الساحل.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير