جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
كالليمونة، يعصرونك حتى آخر قطرة ثم يرمونك – (...)
في شهر حزيران من عام 2000، زارت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، مادلين أولبرايت، سوريا لتقديم التعازي بوفاة حافظ الأسد. خلال زيارتها، سألت أولبرايت بشار الأسد مباشرة: «هل ستسير على خطى والدك؟» ووفقًا لما ذكره السناتور أرلين سبكتر، الذي حضر الاجتماع، أجاب بشار قائلًا: «سأواصل العمل من أجل السلام كما فعل أبي.»
فور سقوط الأسد، بدأ الطيران الصهيوني بشن عمليات جوية مكثفة في مختلف أنحاء سوريا، مستهدفًا معظم القواعد العسكرية والطائرات ومستودعات الأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي. وقبل أسبوع، وقع انفجار هائل بالقرب من طرطوس، بلغت قوته ثلاث درجات على مقياس ريختر، نتيجة للقنابل الصهيونية التي أُلقيت على موقع عسكري.
استهداف الصهاينة لمواقع منتشرة على امتداد سوريا يؤكد امتلاكهم خارطة تفصيلية دقيقة تشمل جميع المواقع العسكرية، بما في ذلك تلك التي تُعتبر شديدة السرية.
في 17 كانون الاول الحالي، نشرت وكالة الأنباء الروسية «تاس»، وهي وكالة حكومية تخضع لسيطرة مباشرة من الدولة وتُعتبر أحد أذرعها الدعائية، مقالًا مثيرًا للجدل. استندت الوكالة في تقريرها إلى مصدر تركي، زعم أن الأسد باع إحداثيات المواقع العسكرية السورية للصهاينة مقابل ضمان عدم استهداف طائرته أثناء هروبه من سوريا حفاظًا على حياته.
القصة أُعيد نشرها عن صحيفة «حريّت» التركية، وكتبها الصحفي المعروف عبد القادر سيلفي، الذي ادعى أن مصدره موثوق. وأضاف أنه سيكشف قريبًا تفاصيل جديدة عن دور الصهاينة في تسهيل هروب الأسد.
هل هذه القصة صحيحة؟ لا أعلم. ومع ذلك، من المؤكد أن هذه الرواية لن تلقى قبولًا لدى مؤيدي الأسد، لكنها بلا شك ستنتشر بسرعة بين أعدائه ومحبي نظريات المؤامرة. ليس مستغربًا أن تصدر مثل هذه القصة من تركيا، لكن اللافت حقًا هو نشرها عبر آلة الدعاية الرسمية الروسية!
قد يعني نشر هذه القصة عبر وكالة الأنباء الروسية الرسمية أن روسيا تسعى إلى «حرق الأسد» وإزاحته تمامًا عن المشهد السوري. وربما ترغب في استخدام الأموال التي بحوزته كورقة تفاوض مع حكام الشام الجدد وتحسين صورتها لدى الشعب السوري. قد يكون هذا التمهيد مرتبطًا بأخبار تتحدث عن فرض الإقامة الجبرية عليه والحجز على أمواله، مما يجعل موقفها مقبولًا إذا قامت لاحقًا بتسليمه والتفاوض عليه. وربما يكون الدافع وراء ذلك رغبة الروس في الانتقام منه بسبب الإهانة الكبيرة التي وجهها لهم بخسارتهم نقطة ارتكاز استراتيجية، ليس فقط على البحر المتوسط، بل في أفريقيا أيضًا. أو قد يكون الهدف التقرب من الحكام الجدد في سوريا وضمان مكانة لها في المرحلة المقبلة.
ولكن، بالنظر إلى تاريخ حكم آل الأسد في سوريا، قد تبدو هذه القصة مقبولة ضمن سياق نظريات المؤامرة التي لطالما أحاطت بمسيرتهم. من أبرز هذه الألغاز انسحاب الجيش السوري من هضبة الجولان في عام 1967، والتي استلمها الصهاينة دون مقاومة تُذكر، حين كان حافظ الأسد قائدًا للقوات المسلحة السورية، ليصبح لاحقًا رئيس الجمهورية. ومنذ ذلك الحين، لم تُبذل أي جهود جادة لاستعادة الجولان، سواء في عهد حافظ الأسد أو ابنه بشار. كذلك، لا يمكن إغفال قصة تسليم بشار الأسد رقم هاتف معمر القذافي إلى فرنسا خلال الثورة الليبية، ما أدى إلى تحديد موقع القذافي، وقصفه بطيران التحالف، ثم إعدامه مباشرة على يد الثوار. هذه الحوادث، وإن كانت محاطة بالغموض، تعزز إمكانية تصديق الروايات التي تربط نظام آل الأسد بخيوط خفية ضمن سياق المصالح الشخصية والصفقات الدولية.
تبقى هذه الروايات في إطار نظريات المؤامرة التي تفتقر إلى أدلة قاطعة. ومع ذلك، أثبتت سياسات الأسد أنه حاكم انتهازي يسعى لتثبيت حكمه بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حياة شعبه. فقد استعان بالروس والإيرانيين لدعم نظامه، وعندما انهار كل شيء، فضّل الهروب دون إبلاغ أحد، متجاهلًا كل شعارات المقاومة، ومقدمًا حياته على مصلحة الوطن، ليصبح مصيره الآن بيد بوتين.
قد تصدق هذا الخبر أو ترفضه، لكنه بلا شك يُشير إلى أمر جوهري: مستقبل الأسد يبدو مظلمًا!