جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة»، ونستون تشرشل.
في خضم المشاعر المتضاربة حول رحيل الأسد وتباكي البعض على رحيله، معتبرينه آخر قلاع القومية العربية والداعم الأول للقضية الفلسطينية، ووسط مخاوف من احتمال نشوب حرب أهلية تمزق البلاد، أو قيام نظام موالٍ للغرب والصهيونية في أفضل الأحوال - جرت مفاوضات معقدة بين مختلف القوى الفاعلة في سوريا لترتيب مرحلة ما بعد رحيل الأسد، وكانت هذه المحادثات تتسم بالبراغماتية البحتة، بعيدًا عن العواطف، وحتى من قِبَل أكبر داعمي النظام السابق.
قبل أيام قليلة من فرار الأسد، نشرت مقالة استندت إلى معلومات موثقة تكشف عن مشاركة قوات أوكرانية في القتال إلى جانب هيئة تحرير الشام، بهدف تقويض النفوذ الروسي في المناطق التي تسيطر عليها. وقد تبيّن لاحقًا صحة هذه التقارير؛ حيث تبين وجود نحو ألفي مقاتل من آسيا الوسطى يدعمون الهيئة، تزامنًا مع زيارة سيرغي شويغو، سكرتير مجلس الأمن الروسي، إلى أفغانستان.
من الصعب تخيل إرسال هذا العدد من المقاتلين دون علم القوى الكبرى، كالولايات المتحدة، وإيران، وروسيا. يطرح هذا تساؤلات حول الجهة المسؤولة عن إرسالهم، وهل تم ذلك بتنسيق ضمني مع تلك القوى أم في إطار تفاهمات معينة؟ وإن لم يكن كذلك، فما أسباب تغاضي روسيا وإيران عن هذه التحركات، على الرغم من تأثيرها الملحوظ على موازين القوى في سوريا؟
أستبعد تمامًا تورط الولايات المتحدة والدولة المارقة في هذا الأمر، فالنفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى تراجع بشكل ملحوظ بعد انسحابها من أفغانستان، ويبدو أن مصلحتهما تقتضي بقاء الأسد ضعيفًا ومنهكًا، بحيث لا يشكل أي تهديد لهما، خصوصًا بعد إضعاف حزب الله وتجنب إيران للتصعيد مع إدارة ترامب. وهذا يفسر قيام الكيان باستهداف المنشآت العسكرية السورية واحتلال جبل الشيخ -الذي يُعد الموقع الاستراتيجي الأكثر أهمية في سوريا ولبنان- خشيةً من تداعيات المستقبل.
لقد بات الأسد يمثل عبئًا على جميع حلفائه، يبدو أن إيران أدركت طبيعته الانتهازية، وسعيه للبقاء في السلطة بأي ثمن، خاصةً بعد امتناعه عن دعم حزب الله، ورفضه فتح جبهة مساندة بعد طلب الحوثيين إرسال مقاتلين وسلاح لهم، كما أدركت محاولاته التقرب من الولايات المتحدة على حسابها؛ لذا فقد تخلت عنه وتركته يسقط. ومن المحتمل أنها رفعت الغطاء عنه في إطار صفقة مع هيئة تحرير الشام مقابل استمرار إرسال الأسلحة إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
وينطبق الأمر ذاته على روسيا، التي قد تكون أبرمت صفقة مع هيئة تحرير الشام عبر حركة طالبان، وربما يفسر هذا الأمر زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي لطالبان. تضمنت هذه الصفقة على الأرجح ضمان سلامة القواعد الروسية واستمرار دعمها لحلفائها في إفريقيا، بالإضافة إلى تزويد النظام الجديد في سوريا بالسلاح. يبدو أن روسيا أدركت استحالة الاستمرار في حماية الأسد، نتيجة أولوياتها في حرب أوكرانيا، فضلاً عن توجه الأسد نحو التقارب مع الولايات المتحدة.
يبقى الاحتمال الأكثر ترجيحًا أن حركة طالبان هي الجهة التي دفعت بإرسال هؤلاء المقاتلين إلى سوريا، مدفوعة بأيديولوجيتها ورغبتها في الاقتراب من حدود فلسطين، وقد ظهرت دلائل على ذلك حين احتفلت طالبان بسقوط الأسد ووزعت الحلوى في أفغانستان.
سأحتفظ بهذه المقالة كمرجع لدعم تحليلي، وسيثبُت صحة هذا التحليل إذا استمرت القواعد الروسية في عملها خلال مرحلة ما بعد الأسد!