النسخة الكاملة

حوض اليرموك وحقوق الاردن المائية

السبت-2024-12-14 10:55 pm
جفرا نيوز -

البرفسور عبدالله سرور الزعبي

قدر الاردن ان تكون معظم مصادر مياهه السطحية منها والجوفية مشتركة مع دول الجوار. لقد بدأت خلافات الاردن مع الدول المجاوره على تقاسم مياه نهر الاردن واليرموك الى بداية خمسينات القرن الماضي. كما وتعود اول تفاهمت للاردن على تقاسم مياه اليرموك مع سوريا لعام 1953، حيث وقعت اتفاقية لاقامة سد في اسفل مجرى نهر اليرموك في منطقة المقارن وبسعة 300 مليون متر مكعب، تبعها خطة جونسون (مبعوث الرئيس الاميركي لدراسة موضوع المياه المشتركه في المنطقة وتقديم مقترح لكيفية تقاسمها) عام 1956، والتي حددت حصة الاردن ب 720 مليون متر مكعب، منها 479 للضفة الشرقية، الا انه ومع كل اسف لم تلتزم سوريا في تنفيذ بنود الاتفاقية ولم تلتزم اسرائيل ايضا" بخطة جونسون، ولم يحصل الاردن على حقوقه المائية من نهري الاردن واليرموك كما يجب.

بقية الامور بين الاردن وسوريا تراوح مكانها بين شد وجذب الى عام 1987، حيث تم التوقيع على اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك والمكونه من 15 مادة، وحيث نصت المادة 15 والاخيرة من الاتفاقية على الغاء اتفاقية عام 1953 حسب النص التالي" تلغى الاتفاقية الموقعة بين الدولتين في دمشق بتاريخ 4 حزياران 1953 حول استثمار مياه نهر اليرموك."

سمحت اتفاقية عام 1987 للاردن ببناء سد في اسفل مصب نهر اليرموك (سد الوحده) وبوشر بالعمل في تنفيذه عام 2003، وبدأت عملية التخزين في نهاية عام 2006، الا ان عملية استلامه النهائي كانت في بداية عام 2010، كما وتحمل الاردن تكاليف انشاء السد بالكامل. حيث كان من المفروض ان يعمل السد على تخزين ما لا يقل عن 200 مليون متر مكعب الا انه تم تخفيض الكميات واعيد تصميم جسم السد بسعة تخزينية بلغت 110 مليون متر مكعب (هذا مع العلم بان الطاقة التخزينية للسد في منطقة المقارن، حسب التفاهمات السابقة وقبل توقيع اتفاقية 1987، كان يجب ان تكون حوالي 300 مليون متر مكعب).  كما وسيعمل السد على توليد طاقة كهربائية تقدر ب 18,800 ميجاواط/ساعه، منها 75℅ لصالح سوريا و 25℅ للاردن. كما وافق الاردن على الإبقاء على السدود المقامة وعددها  25 سداً في حوض اليرموك (حيث تم الاعتراف بها كأمر واقع، وهي التي انشئت قبل توقيع الاتفاقية عام 1987) على الجانب السوري من حوض اليرموك، وبسعة تخزينية تبلغ ما لا يقل عن 134 مليون متر مكعب. كما كان من المفروض ان تسمح سوريا بتدفق ما لا يقل عن 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً في مجرى اليرموك الذي تبلغ مساحتة حوضه 5590 كيلو متر مربع، منها ما يقارب 4400 كيلو متر مربع داخل الاراضي السورية.

وعلى الرغم من ان اتفاقية عام 1987 كانت مجحفة بحق الاردن مقارنة مع حقوقه المائية كما وردت بخطة جونسون او حسب اتفاقية 1953، الا ان سوريا ومع كل اسف لم تلتزم ببنودها، فاستمرت بالتوسع ببناء السدود والتي تجاوز عددها 40 سداً وبطاقة تخزينية فاقت 200 مليون متر مكعب.

كما انها لم تكتف في بناء السدود بل قامت بتنفيذ برنامج لحفر الابار الجوفية المرخصة منها وغير المرخصة، وبعض المعلومات تشير إلى انها بلغت اكثر من 3500 بئراً (وحسب المعطيات السورية لعام 2007، فان هناك ما لا يقل عن 1235 بئراً في منطقة درعا لوحدها).

ان البيانات المنشورة تشير الى ان سوريا وقبل اندلاع الاحداث فيها عام 2011 كانت تستنزف من حوض اليرموك ما لا يقل عن 330 مليون متر مكعب سنوياً (منها ما لا يقل عن 170 مليون متر مكعب سنوياً من المياه الجوفيه)، هذا الرقم يزيد عن ثلاثة اضعاف حصة سوريا المقره في خمسينات القرن الماضي. بينما اكد الاردن التزامه ببنود الاتفاقية وطالب باستمرار باحترامها، هذا مع العلم بان إسرائيل حافظت على حصولها على حصتها من مياه حوض اليرموك والمقدرة ب 25 مليون متر مكعب (وهذه كانت احد ذرائع النظام  السوري، بان الاردن يتقاسم حصته مع اسرائيل، متناسية التوزيع الوارد بخطة جونسون، وهي احد الاطراف التي وافقت عليها).

على الرغم من اتفاق استثمار مياه نهر اليرموك وتحمل الاردن تكاليف انشاء سد الوحدة (حسب المعلومات المنشورة بتاريخ 15/12/2006 بان تكلفة المرحلة الاولى منه بلغت 78 مليون دينار)، الا ان الجانب السوري استمر في التحكم بمياه النهر التي تمر في اراضيه، ولم يسمح بعملية تدفق  المياه كما يجب ان تكون، ولم يدخل في جسم السد الا نسبة قليلة مقارنة مع سعته التخزينية (خاصة قبل اندلاع الاحداث السورية عام 2011)، فكانت مثلا" في عام 2006 حوالي 2.58 مليون متر مكعب وفي عام 2011 حوالي 12.61 مليون متر مكعب، وفي عام 2014 حوالي 40.47 مليون متر مكعب، ووصلت اقصى حد لها حوالي 88 مليون متر مكعب في عام 2018 (حسب معطيات وزارة المياه)، ويعود هذا الارتفاع الى احداث سوريا الداخلية التي وقعت منذ عام 2011 والتي أدت إلى نزوح عدد من مستخدمي مياه حوض اليرموك في القطاعات الإنتاجية في سوريا، الا ان معطيات وزارة المياه تبين ايضا" انخفاض هذه الكميات منذ عام 2020 حيث اصبحت 61.56 مليون متر مكعب واستمرت بالانخفاض بعد الاستقرار النسبي الذي حصل في سوريا منذ ذلك العام الى ان وصلت الى 17.5 مليون متر مكعب في نهاية شهر اذار من عام 2022 (حسب معلومات وزارة المياه).

خلال العقدين الاخيرات، طالب الاردن سوريا بالتوقف عن انشاء السدود والسماح بجريان المياه السطحية، وعدم حفر الابار، لا بل كان الاردن يرى ضرورة فتح بوابات السدود السوريه وردم الابار المحفورة والتي ادت الى استنزاف مياه حوض اليرموك الجوفيه والالتزام باتفاقية عام 1987 (مع انها مجحفة بحق الاردن)، وعلى الرغم من مواقف الاردن القومية باستمرار ووقوف الاردن بقيادته الهاشمية الى جانب الاشقاء في سوريا وارساله قوات الجيش العربي الأردني لحماية الاراضي السورية والتي شكلت جدارا" لحماية دمشق من التهديدات الاسرائيلية المباشرة لها في حرب 1973، وكذلك تعامل الاردن  معها كعادته في التعامل مع الاشقاء العرب بحسن النوايا  ولم يقوم بالتصعيد واللجو الى التحكيم الدولي، وسوريا هي التي تعلم جيدا" معاناة الاردن من شح المياه والتي تفاقمت في العقد الاخير (حيث انخفضت حصة الفرد الاردني حالياً الى ان وصلت حوالي 45 متر مكعب من المياه سنوياً، بينما كانت قبل سبعة عقود تفوق 3000 متر مكعب) كنتيجة للزيادة السكانية واستضافته ما يقارب 3.7 مليون لاجئ  منهم ما لا يقل عن 1.3 مليون لاجئ سوري  على أراضيه (حسب ما هو منشور بتاريخ 19/6/2023، بمناسبة يوم اللاجئ العالمي) إلا ان هذا لم يشفع للاردن لدى النظام السوري طيلة العقود الماضية، لا بل استمر النظام باستخدام هذا الملف للضغط على الاردن للحصول على تنازلت في ملفات اخرى.

اليوم وبعد رحيل النظام السوري، وقيام اسرائيل بعملية عسكرية على اراضيه وسيطرتها على جبل الشيخ وبعض المواقع الاخرى وحيث يضهر ان جزء منها يقع ضمن اراضي حوض اليرموك، ولا نعرف اين ستتوقف في عملياتها، ومن يدري كيف ستتطور الامور، وفي حال وسعت اسرائيل عملياتها وسيطرتها على جزء اكبر من اراضي الحوض، فبكل تاكيد ستتعقد الامور بشكل اكبر، وعندها سيكون هناك واقع جديداً لتقاسم مياه الحوض.

وعلى الرغم من ان البعض سيقول ان الوقت غير مناسب لطرح مثل هذا الموضوع، إلا ان الامن المائي الأردني والمرتبط به الأمن الغذائي مباشرة وغيره ذلك من المواضيع ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، تفرض علينا ضرورة التحرك بسرعه والاستعداد لمعالجة هذا الملف بشكل جيد يضمن لنا حقوقنا الاصلية، مستندين الى ما تقوم به قواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية من عمل جبار لحماية حدودنا وامننا الوطني، منطلقين ايضاً من ان الأمن الوطني لا يتجزءوخاصة باننا الأفقر مائيا" في حصة الفرد على مستوى العالم

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير