جفرا نيوز -
عبدالله سرور الزعبي
انتهت حقبة عائلة الاسد، وبدأ عصر سوريا الجديدة والتي لم تتضح معالمها بعد، وما الى ما ستؤول اليه الامور على ارضها، الا ان السوريون بداوا في التطلع إلى المستقبل، وهي خطوة يرافقها شعور بالأمل من أجل استعادة بلادهم التي لم تعد سوريا التي يعرفونها. وعلى الرغم من كل ما جراء فانه لمن الواضح بقاء الوجود الامريكي والروسي في قواعده والتركي في الشمال السوري على المدى المنظور على الاقل، ولا ندري الى اين ستقف التحركات الاسرائيلية على الاراضي السورية.
الا انه وعلى الرغم من احجام المجتمع الدولي عن الاسهام في اعادة اعمار سوريا قبل فترة وجيزة، الا ان الحديث والمنافسة والبحث عن الدراسات والقطاعات المتضررة سيكون متسارعاً خلال الايام القادمة بين الشركات العالمية التي تمثل في النهاية الدول الساعية للفوز باكبر قدر من عقود اعادة اعمار القطاعات السورية المختلفة والتي اصبحت اما مدمرة او شبه معطلة بالكامل، بما فيها القطاع العسكري. كما وبدأت التوقعات بانه من الممكن البدء برفع العقوبات التي فرضت بقانون قيصر او تخفيفها تدريجياً.
هذا وقد اختلفت تقارير التكلفة المالية المطلوبة لاعادة اعمار سوريا وتضاربت فيما بينها لدرجة كبيرة، فبعض الدراسات قدرتها ب 300 مليار دولار والبعض الاخر ب 400 مليار واخرىب 500 مليار، الا ان المبعوث الروسي لافرنييف قدرها ب 800 مليار دولار، الا ان الامين العام لجامعة الدول لعربية قدر التكلفة المالية لاعادة الاعمار والخسائر الاقتصادية فيما يقارب 900 مليار دولار، وقدرتها الاسكوا في تقرير مشترك مع مركز الدراسات السورية في جامعة سانت آندروز، بعنوان "سوريا: بعد ثماني سنوات من الحرب"، في أيلول 2020، أن سوريا تكبدت خسائر اقتصادية تقدر بنحو 442 مليار دولار، وفي تقرير اخر للاسكوا قدرت تكلفة الحرب لوحدها بما يقارب 327.5 مليار دولار (منها مئة مليار دولار لاعادة الإعمار و227 ملياراً تكاليف الدمار)، اما دي ميستورا فقال إن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستبلغ 250 مليار دولار على أقل تقدير، كما ان الدراسة الصادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات بينت إن تكلفة إعادة الإعمار تبلغ 195 مليار دولار. وعلى الرغم من ان البعض يرى ان هذه الارقام مضخمة فانها وفي جميع الاحوال تبقي ارقام قد تصل مئات المليارات من الدولارات، غير شامل اعادة بناء القدرة العسكرية، ولم يوخذ بعين الاعتبار تكلفة اعادة بناء الموارد البشرية.
ان المنافسة والصراع القادم على اعادة اعمار سوريا وتقسيم الادوار فيها لا يقل في خطورته عن مستوى خطورة الصراع العسكري والذي استمر الى اكثر من عقد من الزمن، وبكل تاكيد فهو الصراع الذي سيرسم مستقبل الدولة السورية الجديدة. وهنا لا بد من طرح بعض الاسئلة، هل ستتوافق الدول الكبرى على تقسيم الادوار قبل التوافق على شكل النظام السياسي القادم، وهل ان تصريح الرئيس الامريكي بعد سقوط بشار الاسد يؤسس لمرحلة جديدة، حيث قال "بعضا من الفصائل السورية المسلّحة التي أسقطت الأسد لديها سجل قاتم من الإرهاب ومن الانتهاكات لحقوق الإنسان"، كما قال بان الولايات المتحدة "أخذت علما ببيانات أخيرة لفصائل تشير إلى أنها باتت معتدلة، وسنعمل مع جميع المجموعات السورية، واشار الى ان واشنطن ستجري تقييما ليس فقط لأقوالهم بل لأفعالهم بهدف إرساء مرحلة انتقالية بعيدا من نظام الأسد ونحو (سوريا) مستقلة وذات سيادة بدستور جديد"، وهل هذا التصريح سيؤدي في حال ثبوت النذوج السياسي لدى الجماعات السورية المختلفة وثبت انهم اصبحوا معتدلين وانخرطوا في العملية السياسية الى رفع العقوبات والعودة عن ما قاله سابقاً براين هوك من إن الدول المانحة ونحن لن ندفع فلساً واحداً في إعادة الإعمار حتى نرى خروجاً كاملاً للميليشيات الإيرانية من سوريا (وهي التي خرجت بالفعل). وبالتالي هل ستبادر الولايات المتحدة الى لعب دور قيادي للتوافق العالمي لتقسيم الادوار والعمل على استعادة النظام السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل كامل، ام ستستمر الاوضاع والتجاذبات العالمية اذا لم تكن الحصص مرضية لكافة اطراف التنافس، في ظل خروج الدور الايراني كلياً من المشهد والمعادلة السياسية من سوريا.
وهنا يمكن اضافة التساؤلات التالية الى اي مدى يمكن استمرار قبول الولايات المتحدة الامريكية في العمل في المنطقة الشرقية لوحدها والابقاء على قواعدها، حيث تتواجد حقول النفط السوريه والتي تنتج ما يقارب 400 الف برميل يومياً، وتكتفي مع شركائها الاوروبين في العمل على تقديم الدعم والمساعدة في اعادة توطين اللاجئين وتوفير التمويل لتقديم الغذاء والرعاية الصحية وبناء المجتمع المدني والعمل على تعزيز المسار الديمقراطي واعادة بناء القطاع الزراعي والصناعي ومن الممكن قطاع التعدين.
كما يجب ان يطرح سؤال اخر الى اي مدى ذهبت او ستذهب التوافقات على بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا والتي انشئت لتخدم مدة لا تقل عن 50 عاماً حسب الاتفاقيات، وبالتالي ستسمح لروسيا تحقيق مكاسب ليست فقط اقتصادية بل سياسية بامتياز، وستسمح لروسيا بالسيطرة على حقول غاز الساحل السوري (في حال استغلالها بالكامل ستجعل سوريا من اول 10 دول منتجة للغاز في العالم)، وسيسمح لروسيا ايضاً في اتوسع بشبكة النقل البحرية، والمساهمة بقوة في اعادة تسليح الجيش السوري.
اما تركيا فستعمل وبكل قوة على الاستحواذ في اعادة الاعمار في الشمال السوري والذي يشمل قطاع الاسكان لاعادة اللاجئين وبناء البنية التحتية وقطاع الزراعة والصناعة فيه، ولن تسمح للمنافستها في ذلك.
كما انه لمن الطبيعي ان نتسأل عن دور الصين المستقبلي وهي التي تعودنا عليها ان تدخل بهدوء مستخدمة القوة الناعمة لخلق حالة من التوازن في كثير من الجغرافيا العالمية ومنها منطقة الشرق الاوسط لاكثر من طرف عالمي، معتمدة القوة الصناعية والتكنولوجية المتطورة معتمدة على ما حققته من انجازات في مجال الذكاء الاصطناعي، وقدرتها الهائلة بتنفيذ مشاريع البنى التحتية الضخمة، وسعيها للاستثمار بقوة في الاستحواذ على الموانئ للسيطرة على التجارة البحرية العالمية. كما لا بد لنا ان نتسأل عن مستقبل مشروع الحزام والطريق، وهل ستتخلى الصين عن فكرة مروره في سوريا، في ظل الطرح الامريكي لمشروع الممر الاقتصادي من الهند الى سواحل البحر المتوسط ومن ثم اوروبا.
وما هو دور الدول العربية كدول الخليج، هل ستكتفي بتقديم المساعدات الانسانية من غذا ودواء ام ستعمل على ايجاد دور لها في الاستثمار في قطاعات الطاقة والنقل عن طريق بناء المطارات والبنى التحتية لعدد من القطاعات وغيرها.
اما نحن في الاردن فيجب ان نكون مستعدين لكافة الظروف المستقبلية، فجلالة الملك يقود جهوداً عظيمة للحفاظ على وحدة اراضي الدولة السورية، والقوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية تقوم بدور جبار لحماية امننا واستقرارنا، لكن في نفس الوقت يجب ان نجهز انفسنا لدور قادم في اعادة الاعمار في سوريا وخاصة في مشاريع البني التحتية وقطاع الاسكان والزراعة والسياحة والطاقة وغيرها وخاصة في الجنوب السوري، كما انه من الضروري ان نبدأ الحديث مع بقية الدول العربية والعالمية ذات الاهتمام المشترك بامن واستقرار منطقتنا بان يتم اعتماد مناطق محددة في شمال الاردن لتكون موانئ برية لتقديم الدعم اللوجستي لكافة الشركات العالمية التي ستعمل في المستقبل في سوريا لتعويض الاردن بجزء من الخسائر التي لحقت باقتصاده بسبب الصراع السوري خلال اكثر من عقد من الزمن.