جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«اتفاقية السلام بين الأردن و»إسرائيل» وثيقة يعلوها الغبار»، أيمن الصفدي.
شهد الأسبوع الماضي بداية واضحة لتصدّع الحلف الغربي الداعم للكيان الصهيوني بقيادة الولايات المتحدة؛ فقد أعلن كير ستارمر -رئيس وزراء بريطانيا- عن خطوة متأخرة بتعليق ثلاثين ترخيصًا من أصل ثلاثمائة وخمسين لتصدير الأسلحة إلى الكيان الغاصب، مشيرًا في بيانه إلى أن السبب الرئيسي لهذا القرار كونها ربما تشكل خطرًا على حقوق الإنسان. والمفارقة أن ستارمر، الذي كان قد انتقد سابقًا رئيس حزب العمال السابق لدعمه القوي للقضية الفلسطينية، وتراجع عن وعوده الانتخابية المؤيدة للقضية الفلسطينية. وفي خطوة إضافية، فرض ستارمر عقوبات على سبع مجموعات صهيونية لعلاقتها ببناء المستوطنات في الضفة الغربية.
وفي إيطاليا، اتخذت رئيسة الوزراء -المعروفة بصداقتها الشخصية مع نتن ياهو- موقفًا حاسمًا أمام البرلمان الإيطالي بقولها: «لقد أوقفنا كل شيء»، مشيرة إلى وقف تصدير الأسلحة. وحذت حذوها كل من فرنسا وبلجيكا، حيث أعلن كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزيرة التنمية البلجيكية كارولين جينيز عن فرض حظر على تصدير الأسلحة للكيان الصهيوني. وكانت إسبانيا قد سبقتهم في اتخاذ هذه الخطوة الجريئة. أما ألمانيا -التي تُعد من أكبر داعمي الكيان الغاصب- فقد خفضت صادراتها من الأسلحة بشكل ملحوظ.
ولعل أبرز قرار كان ذلك الصادر عن الولايات المتحدة، الشريك الرئيسي للدولة المارقة في الإبادة الجماعية، فقد وجه وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان رسالة مشتركة، حملت تحذيرًا صارمًا للكيان الصهيوني بأنه إذا لم يتم السماح بدخول المساعدات إلى غزة خلال ثلاثين يومًا، فإنه سيواجه عقوبات جزئية وتخفيضًا في صادرات الأسلحة. ورغم أن هذا القرار يمنح الكيان الصهيوني فترة ثلاثين يومًا لتنفيذ التهديد، إلا أنه يمثل تحولًا غير مسبوق في التعامل مع هذه الإبادة. وقد يكون لهذه الخطوة دوافع انتخابية؛ حيث من المتوقع أن تحظى هذه الخطوة برضا الجاليات العربية والإسلامية، التي غالبًا ما ستحجم عن التصويت لصالح مرشحي الحزب الديمقراطي، دون إثارة غضب اللوبيات الصهيونية، خاصة أن تنفيذ القرار سيكون بعد الانتخابات. وبالفعل، استجاب الكيان جزئيًا لهذا التهديد برفع عدد شاحنات المساعدات الإنسانية، وإن كان بشكل طفيف.
وفي تحليل عميق للوضع، كتب علي شهابي -المحلل السعودي الجيوسياسي ومدير معهد الجزيرة العربية في واشنطن- قائلًا: مع استمرار الحرب، يصبح السؤال: هل لا تزال «إسرائيل» تشكل مصلحة حيوية للولايات المتحدة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى؟ إن الفشل في هزيمة حماس بشكل حاسم، والمخاطر المتزايدة لحرب إقليمية تشمل إيران، قد تدفع صناع السياسات الأميركيين والأوروبيين إلى إعادة تقييم جذرية للتكاليف المرتبطة بالدعم الثابت لـ»إسرائيل».
أما فيما يتعلق بأسباب التصدع في الموقف الغربي الداعم للكيان الصهيوني، فيمكن إرجاعها إلى عدة عوامل جوهرية لا ترتبط بالضرورة بالقيم الإنسانية أو الحرص على الدماء العربية. وتشمل هذه الأسباب:
1.تصدع داخل الحلف الغربي نفسه: يظهر انقسام وتباين واضح بين دول الاتحاد الأوروبي حول الإبادة الجماعية. على سبيل المثال، اعترفت كل من إيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية، وانضمت إليها النرويج من خارج الاتحاد، في حين تعترض أو تتحفظ الدول الأخرى، مع أن هذا الحلف يسعى دائمًا للظهور بموقف موحد.
2.خلافات داخلية في الإدارات السياسية ومراكز اتخاذ القرار: تتزايد الأصوات الناقدة لسياسات هذه الدول بشكل ملحوظ، مما يخلق توترات داخلية.
3.دور وسائل الإعلام: تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، مما يزيد الضغوط على الحكومات للتحرك ضد ممارسات الكيان الصهيوني.
4.انتهاكات الكيان الصهيوني للقانون والمؤسسات الدولية: من استهداف قوات حفظ السلام إلى تمزيق سفير الكيان لميثاق الأمم المتحدة، مرورًا بقصف مقار المنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة. هذه الأفعال، إلى جانب الإدانات المتزايدة من قبل المنظمات الدولية القانونية، تثير تساؤلات جدية حول مصداقية النظام الدولي الذي تأسس في الأصل لخدمة المصالح الغربية.
5.تصاعد تأثير حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS): تزداد هذه الحملات قوة وتأثيرًا مع مرور الوقت، مما يضع ضغوطًا إضافية على الحكومات الغربية.
6.فشل نتن ياهو في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب: هذا الفشل يضع الحكومات الغربية الداعمة له في موقف حرج أمام شعوبها.
7.التكلفة المالية الباهظة للحرب: تؤثر هذه التكاليف بشكل مباشر على استقرار الحكومات وقدرتها على تبرير استمرار الدعم.
8.ضغط منظمات حقوق الإنسان: تمارس هذه المنظمات ضغطًا مستمرًا على الحكومات، مما يزيد من حدة النقاش العام حول دعم الكيان الصهيوني.
9.تأثير الإبادة الجماعية على الانتخابات في الدول الغربية: حيث تؤثر مواقف الناخبين بشكل متزايد على توجهات الحكومات، خاصة مع اقتراب مواعيد انتخابية في دول مؤثرة.
هذه العوامل مجتمعة، إلى جانب عوامل أخرى، أدت إلى زعزعة أركان النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة وتراجع دورها القيادي بشكل ملحوظ. ويتجلى هذا التراجع بوضوح من خلال التناقضات الصارخة بين القيم التي تروج لها الولايات المتحدة، كحقوق الإنسان والديمقراطية، وبين ممارساتها الفعلية على أرض الواقع. فبينما تنادي الولايات المتحدة بالعدالة وحقوق الشعوب، نراها تغض الطرف عن انتهاكات حلفائها، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، وتستغل المنظمات الدولية كأداة لمعاقبة خصومها في حين تتساهل مع أصدقائها، مما يقوض مصداقيتها على الساحة الدولية بشكل متزايد.
إن هذا التناقض الصارخ بين المبادئ المعلنة والممارسات الفعلية يؤثر بشكل مباشر وعميق على بنية النظام العالمي، ويزرع بذور الشك في نزاهة المؤسسات الدولية التي تحولت، في نظر الكثيرين، إلى مجرد أدوات في يد القوى الغربية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، بدلًا من أن تكون منارات للعدالة والمساواة على المستوى الدولي.
ومع استمرار الأحداث وتطورها، من المتوقع أن نشهد المزيد من الإدانات من الجانب الغربي، مما سيؤدي حتمًا إلى عزلة دولية متزايدة للكيان الصهيوني. أما على الصعيد العربي، فمن المرجح أن يصبح أي تعامل مستقبلي مع حكومة نتن ياهو وسياساتها المتطرفة أمرًا غير وارد على الإطلاق.