جفرا نيوز -
بقلم الدكتور إبراهيم العابد العبادي
كلما نظرت أو زُرت أو مررت بالقرب من شادر بطيخ، وتمعنت النظر بطريقة تصنيف ورص وترتيب وتدريج البطيخ...لا يخطر ببالي شيء سوى مدى التشابه الى حد كبير في تعاطي المواطن العربي بشكل عام والأردني على وجه الخصوص في التعامل واستخدام الآليات وسبل الاختيار...ففي معرش البطيخ يقف المواطن مستعرضاً ومتأملاً عن بُعد أكوام البطيخ المرصوصة بشكل هرمي ووفق تطبيقات للحجم والنوع واللون...حيث يتحرك فجأة واعز بداخله، فيجد نفسه أمام خيارين...الأول؛ منها بالسؤال المباشر للبائع او مسؤول المعرش...حول النوعية والجودة و الحجم والاسعار ...الخ رغم أن الأخيرة قد تكون المحدد الرئيس للاختيار.
ولكن حسب الإجابة يبدأ بالاستعراض عن قرب يُقلب البطيخ ويديره شمال ويمين...للبحث عن نقاط وعلامات معينة سمعها سابقاً...مستمراً بهذا النشاط عدة دقائق...يتبعها بالطبطبة ...كدليل على اتخاذ قرار استراتيجي يحقق الأهداف المنشودة وبالتالي الحصول على ما يحلم به... "بطيخة حمراء رائحتها عطرة فواحة طعمها لذيذ كالعسل"...وسعرها مناسب للميزانية التي تم تخصيصها لهذه المبادرة...وما زلنا بذات الخيار الأول... فإما يزن البطيخة ويدفع الثمن دون فتحها على السكين...وينتعها طفل يعمل بالمعرش...نحو سيارة الزبون الذي يسير امامه لفتح الباب وتحديد مكان وضع البطيخة.. حيث لا يريد ان يُظهر نفسه بعديم الخبرة والمعرفة أمام صاحب المعرش والحضور...ويغادر نحو البيت ليكتشف مدى النجاح الذي يشكل التقييم التنفيذي...وهل هي بيضاء زاهية...ام حمراء قانيء...فإن كانت حمراء فهو أمر إيجابي يدعو الى الرضا عن النفس والشعور بالعظمة والقدرة على دقة الاختيار، للبطيخ وللمعرش.. وعليه يكون أصدر تقرير تقييم النتائج والأثر، أما إن كانت بيضاء او زاهية وبلا طعم ...تبدأ الأثار السلبية والشعور بالامتعاض ويضع اللوم وتعليق الأخطاء على صاحب المعرش، كونه غشاش ولا يخاف الله في رزقه....أما الخيار الثاني؛ يكون بإعطاء مهمة الاختيار الى مسؤول المعرش...والبيع على السكين...لتكون فرصته بالنجاح من حيث الاطار الشكلي والنظري أفضل وأعلى من الأول، وإمكانية الحصول على المراد وبنسبة ستتجاوز 50%.. حيث سيتحمل البائع مسؤولية اللون...اما الطعم والداخل فيبقى بعلم الله...رغم أن البائع على تام بمدى الجودة كونها بضاعته ويعرف مصدرها.
وسيحصل كذلك على سعر أفضل من البيع بالطريقة الأولى...وعند المغادرة يسير المواطن المشترى بذات الظروف من حيث التقييم والنتائج والاثار السلبية الإيجابية المشار اليها سابقاً.....هذا الواقع البطيخي بخياراته... ينطبق تماماً على تعاملات وعلاقات المواطن بمجالس الأمة والحكومات وهي قابعة تحت قباب المجالس او قاعات الاجتماعات...فمجرد نظرة استعراضية للجلوس ترى تصنيفات وترتيبات..فهنا مواقع أعضاء مجلس النواب...وعلى اليمين او اليسار أعضاء مجلس الاعيان ، وبالمقابل أعضاء الحكومة...وبمكان اخر مواقع جلوس او شرفة النظارة " الحضور والمدعوين" وموقع أخر للإعلام والصحافة
اما خيارات المواطن أو الناخب فقد تكون مشابهة لخياراتنا داخل معرش البطيخ...فالأعيان والحكومات ...ليس للمواطن يدٍ أو وجهة نظر أو رأي إزاءها وبطريقة اختيارهم وتشكيلاتهم الجيوسياسية أو الجيوستراتيجية أو حتى الجيوغرافية والديموغرافية...أي أن الحال يشابه آليات الفرز والتصنيف والتدريج لدى صاحب المعرش... الذي يتحكم بالواقع ويخبرنا ويجبرنا على القبول وأن هذا هو المتاح والمتوفر وعليكم كمواطنين الأخذ به وسواء استفدتم منه ام لا، ولكن عليكم دفع وتسديد القيمة والثمن لقاء هذا المنتج...أما البرلمان " النواب" فحسب الأطر الشكلية والنظرية فهي مسؤوليات المواطنيين الناخبين والمقترعين، وذلك ضمن الحالات الاعتيادية الطبيعية ودون تدخلات وإملاءات وتوجيهات أو غير ذلك من مثبطات...فاذا ما توافرت الظروف الصحية الطبيعية...يقف المواطن من جديد امام معرشات مرشحي النواب محدقاً الأبصار ومقلب الأفكار...فهذا قريب بالدم وابن العائلة والعشيرة ونسيب...وذاك أبن المحافظة والمدينة، وأخر عضو بالحزب أو زميل عمل سابق أو صديق...وثالث جميل الشكل والهندام والهيئة، ورابع يغدق الأموال والهدايا والعطايا... وبغض النظر عن شخصه وعلمه وقدراته ومعرفتة بالسياسة والتشريع...أو لكونه نائباً سابقاً أمضى عمر المجلس ولم يتفوه ببنت شفه لصالح الشأن العام أو لمصلحة المواطن...أو ذاك النائب السابق الذي كان يصدح بخطاباته الرنانة وضجت القاعة والقبة من سيل مفرداته وعميق المصطلحات والجمل والمفردات، وكلماته تُلهب المشاعر والحماس والاحاسيس...ولكنها لم تغير من الواقع الأليم ولم تؤثر أو تٌّغير بجزء من قرار حكومي واحد...،وصولاً الى مرشح أخر يشاع على لسانه ولسان المطبلين له أن جهة أمنية أو سيادية قد طرحت اسمه واعطته الضوء وانه ناجح لا محالة...رغم أنه خاض التجربة ثلاث مرات سابقة ولم ينجح ولم يفلح بالوصول للمجلس ...لا بل انه كان يحصل على اصوات أقل عما حققه في المرات السابقة..ونتوقف هنا عند حديث الصالونات السياسية التي تغطي انحاء البلاد وهي تتناول اسماء عديدة مطروحة معظمها لا يحقق شيء...هذا هو الحال والواقع في كل دورة أو معركة انتخابية أو مرحلة إعادة تعيين...نجد انفسنا من جديد أمام قرارات معرش البطيخ...فالغالبية لا تشارك في الاقتراع، ومن يشارك قد يكون تأثر أو تغير قراره بالمال الاسود والرمادي قبل الدخول الى الصندوق اثناء وجوده بالحافلة وقد اقسم امام الوسيط...او أخر تم تخجيله من احد المرشحين او المناديب، او نتيجة نصيحة وردت من صاحب المعرش او شخص تواجد بالصدفة.
وهنا وبسبب غياب الأغلبية وتدخل الأجهزة الاستشارية في شأن الرعية...نفرز برلماناً لا نعلم عنه شيء إلا بعد فوات الأوان والحصول على الحصانة..والجلوس تحت القبة والقرارات تمر من بين يديه، وعن يمنه وشماله ومن تحته ومن فوقه....بعلمه أو بدون علم فالأمر سيان...ونبدأ نحتسب ونندب حظنا بأن بطيخنا أقصد برلماننا أقرع بدون لون أو طعم أو رائحة...فنبتلع الطعم ونقع بالشرك...لسنوات عجاف نرى خلالها العجب العجاب...ولنكتشف اننا ما زلنا نؤم ذات معرش البطيخ ونشتري مراراً وتكراراً المتوفر...ونحن متأكدين من أن النتائج قرعاء مهرمنة ولا تصلح....والخلاصة يبقى البطيخ معشوق الملايين...وبطيخ يكسر بعضه....ختماً حمى الله الأوطان...حمى الله الأردن أرض الحشد والرباط.