جفرا نيوز -
بشار جرار
لكل نشاط إنساني أدب، إيتيكيت، بروتوكول أو قواعد اشتباك! السفر والهجرة كما في الإقامة والوفادة، آداب شتى ساهمت في حفظها للبشرية حضارات أصيلة في مشرقنا العظيم من بينها الحضارة العربية الإسلامية والبعض يؤثر حصرها في شق واحد من هاتين التسميتين. والصحيح في نظري أن الحضارة الإنسانية خاصة في الجوار الجغرافي لا بد أن تكون مشتركة كون ظروف ميلادها ونموها واندثارها تبقى موضوعية مادية قابلة للأخذ والرد في تفاعل وانفعال وردود أفعال ليست بالضرورة أن تكون دائما إيجابية.
وليس بأكثر من ابن بطوطة رمزا لأدب الأسفار والحِلّ والترحال. في بلاد العم سام، ما زال الراحل إدوارد سعيد، رمزا أيقونيا للفلسطينيين الأمريكيين والعرب الأمريكيين، والأمريكيين من أصول شرق أوسطية، ومفكرا سابقا لعصره تماما كما كان الأديب والمفكر اللبناني الأمريكي جبران خليل جبران الذي حاز لقب «النبي»! قطعا التسمية لا علاقة لها بالوحي وإنما ذلك الفكر الثاقب القادر على رؤية ما وراء الأشياء والأحداث، بعيدا عن برامج الشعوذة التي تنتجها بعض الفضائيات!
للمسافرين المهاجرين، عادوا أم بقوا أو علقوا في الشتات «دياسبورا»، صحافة وكتب عُرفت تصنيفيا في علم المكتبات بأدب الهجرة. قرأت وما زلت الكثير من المتون التي تثير في الوجدان كثيرا من الشجون. لكني دائب البحث عن آداب الهجرة. طالت أم قصرت ثمة عودة، فحلم لم الشمل لا يموت، لا يفنى بل يتجدد ويخرج بمشيئته سبحانه «الحي من الميت». ما يحيينا كبشر بصرف النظر عن الأعراق والأديان والهويات، هي (هو) الروح التي لا يعلم سرها إلا هو، هو وحده، يهبها من يشاء. الروح ليست أنفاسا وإلا تساوت المخلوقات وسقط الميزان، سقطت كفته الآخرى توأم الروح ألا وهو العقل، بمعنى المنطق، الكلمة.
«الكلمة السواء» ما كانت ولن تكون أبد الدهر إلا خَلْقا متجسّدا بأعمال البر والإحسان، الأعمال الصالحات، وهي «خير وأبقى». وثمة حاجة إلى بث روح تحفظ الآداب وتقيمها قبل تسجيل مخطوطات عن الأسفار. ولقد اجتهدت -و»لكل مجتهد نصيب»- أن أردّ بعضا من الجميل لكل من علمني حرفا وأدّبني بكلمات أو مواقف صقلت وصهرت، علّ صياغتي لبعض تلك الآداب تساعد أخوة لنا في الروح أو الدم أو التراب، في أحد أهم قرارات الحياة، أين المقر وأين المستقر؟
ما زلت أقول سافر ولا تهاجر.. طبعا ثمة استثناء لكل قاعدة، والاستثناءات إن تعددت ضاعت أولويات لا سبيل أحيانا لاستردادها. في كتابي «بوح مهاجر: على ضفاف نهر الأردن وبوتامك» والأخير هو نهر عظيم في بلاد العم سام أقيمت العاصمة واشنطن على ضفافه، عرض بما يسمح به المقام لما أصلي وآمل أن أبوح به -بالسرد التفصيلي التفاعلي- عن كل كبيرة وصغيرة تعني كل أب أردني وأمريكي، أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. أقول لكل أب وما أعنيه لكل راع، فكلنا مسؤولون مساءلون، وآداب الهجرة وأدبها فيه الكثير للباحثين عن تعظيم الإنجازات وتحييد العثرات وإزالتها من الطريق نحو مستقبل واعد بعون الله.
إن جاز لي توجيه دعوة خاصة من على هذا المنبر الكريم في الدستور الغراء، أقول إن مكان البوح سيكون اليوم في مدرستي الأم، تلك الأيقونة العمّانية في جبل الياسمين، اللويبدة، حيث تربض كلية تيراسنطة وتعني «الأراضي المقدسة»، ومن لها «حرّاسا» سوى صنّاع السلام الحقيقيين الصادقين المخلصين، راعي المقدسات الإسلامية والمسيحية في قدسنا الحبيبة، سيدنا أبو حسين، جلالة الملك عبدالله الثاني رعاه الله، وكتب مقام مليكنا الراحل الحسين في عليين.