جفرا نيوز -
عمر عليمات
«ما أخشاه ليس أولئك الذين يعارضونني، بل أولئك الذين يزعمون أنهم يساندونني بينما يتصرفون وفقًا لمصالحهم الخاصة»، لعل هذه المقولة المنسوبة لمارتن لوثر كينغ تختصر الكثير من الحديث حول تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي يؤكد فيها رفض إيران لحل الدولتين والدعوة لقيام دولة واحدة على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا.
حل الدولة الواحدة ليس جديداً، وطُرح من قِبل مفكرين ومحللين سياسيين أكثر من مرة، ولكن الجديد هو تبني إيران علانية هذا الطرح باعتباره يمثل رؤيتها وموقفها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، رغم أن المرشد الأعلى لا ينفك عن الحديث حول زوال الكيان الإسرائيلي ومعركة الحق والباطل والنصر الإلهي.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ليس بالطارئ على السياسة وهو يعلم تماماً أن حل الدولة الواحدة يعني تفكيكاً لبنية الدولة القومية، وهو يعلم كذلك أن إسرائيل أقرت قانوناً بشأن يهودية الدولة، وكذلك يؤمن تماماً بعدم وجود إسرائيلي واحد يقبل بحل سيؤدي ضمنياً إلى زوال دولته، كل ذلك يعني أن طرح حل الدولة الواحدة أمر مستحيل التطبيق، فلماذا يطرحه الوزير الآن، ويختار القاهرة للحديث عن رؤية إيران لحل الصراع؟.
حل الدولة الواحدة الذي تقترحه إيران قد يبدو ظاهرياً كطرح يضمن كرامة وسلامة الشعب الفلسطيني، ولكنه في الواقع يسلبهم حقهم، من خلال إلغاء فكرة قيام دولة فلسطينية، ويتجاهل تطلعاتهم نحو الاستقلال والاعتراف الدولي بحقهم في تقرير المصير، والذي يُعتبر من ركائز القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
إيران تدرك تماماً أن خيوط اللعبة التي أجادتها منذ عقود بدأت تلتف حول رقبتها، وأن إسرائيل وأمريكا يرون في المرحلة الحالية فرصة ذهبية لإعادة ترسيم حدود النفوذ الإقليمي، وأول هذه الحدود تقليم أظافر طهران وضرب أدواتها وخاصة حزب الله، وهي تدرك تماماً أن الهدف النهائي لكل ما يجري هو إضعافها وتجريدها من كل ما حققته خلال العقود الثلاثة الماضية، لذا تبحث اليوم عن ورقة مساومة جديدة، لعلها تتجنب ما يتم التخطيط له لمستقبل المنطقة.
النظام الإيراني ومن خلال رئيسه مسعود بزشكيان غازل واشنطن خلال اجتماعات الأمم المتحدة بتصريحاته المتعددة حول الأخوة بين الشعب الأمريكي والإيراني، واليوم وزير خارجيته يغازل إسرائيل بضرب ما اتفق عليه العالم وترفضه إسرائيل وهو حل الدولتين، وهو ما يعكس حقيقة أن القضية الفلسطينية لم تكن يوماً سوى أداة من أدوات سياسة طهران الإقليمية، لتعزيز نفوذها ومكانتها، وهي الآن تستخدمها لمواجهة تغير الديناميات الجيوسياسية.
موقف إيران في ظل الظروف الحالية يتجاوز كونه مجرد رفض لحل الدولتين، إلى كونه جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى ضمان عدم توجيه ضربة قاصمة للنظام الإيراني، فطهران برفضها لحل الدولتين تتناغم ضمنياً مع الأجندة الإسرائيلية، وهي على استعداد لدفع هذا الثمن بكل سهولة لضمان مصالحها، ولو كان ذلك على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية في الأجندة الإيرانية لم تكن يوماً سوى أداة لتحقيق المصالح، ولن تتوانى طهران في ظل الضغط الإسرائيلي والأمريكي عليها عن حرق كل ما يتعلق بفلسطين في سبيل تجنب ما تخططه إسرائيل وواشنطن لها، خاصة وأنها فقدت أهم أدواتها في المنطقة، فحالة الضعف التي يمر بها حزب الله جردت طهران من أهم أوراقها، وهي اليوم تستخدم ورقة فلسطين كخيار آخر للتفاوض والمساومة عليه.
ولعل السؤال الأهم في كل ذلك، إذا كانت سردية محور المقاومة على مدى العقود الماضية كانت ترتكز على مساندة الحق الفلسطيني، فعلى ماذا ترتكز اليوم؟! السؤال موجه لداعمي ومؤيدي المحور.