جفرا نيوز -
رشاد ابو داود
من بيت الطين في جناعة الى دمشق الياسمين. أمضينا أنا ابن الخضرجي والمعاني نشأت مطر ابن موظف البلدية المتقاعد والسلطي قاسم الجغبير ابن العسكري، زميلا وصديقا المرحلة الثانوية في الزرقاء وفي الجامعة وفي الحياة، في فندق قرب محطة الحجاز والقريب من الجامعة وساحة المرجة. كان اسمه « فندق جول جمال».
لمن لا يعرف جول جمال فهو ضابط سوري تخرج من الكلية البحرية المصرية. وعندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس لم يعد جول الى بلده سوريا بل التحق بالبحرية المصرية. أثناء العدوان الثلاثي الاسرائيلي البريطاني على مصر العام 1956 قام بعملية انتحارية على البارجة الفرنسية العملاقة جان بارت حيث اقتحمها بزورقه فدمرها وأخرجها عن الخدمة. أيامها كانت الروح القومية تسود الأمة العربية من المحيط الى الخليج، وكانت «اسرائيل» خنجر الاستعمار المغروز حديثاً في جسد الأمة.
مهلاً.. لا تقل هذا من جماعة «كان وكنا» والعيش على أطلال الماضي. ماذا نفعتنا تلك الروح ؟ الجواب : وماذا نفعتنا كامب ديفيد وأوسلو واتفاقيات ما سمي «السلام « مع العدو ؟ على أي حال ليس هذا مجال الحديث الآن.
اسقبلنا في الفندق شاب أنيق، كان يجلس أبوه الستيني على مقعد من خشب الزان في مكتب متواضع. في البداية تحدث معنا بلهجة شامية قٌح باعتباره من مواليد دمشق. وعندما عرف أننا من الأردن وتواصل الحديث تحولت لهجته أتوماتيكياً الى نابلسية أصلية. أخبرنا أنه من عائلة القاضي. هاجر أبوه مع نكبة 1948 الى دمشق واشترى هذا الفندق.
عندما سمعت كلمة القاضي تبدد شعور الغربة عن الزرقاء وقلت له : محل كنافة القاضي في شارع شاكر جار أبي في أول الحسبة، سوق الخضار. كان أصحاب المحل الشقيقين أبو خليل وأبو فيصل. قال هما أعمامي شقيقا أبي. نمنا في الفندق ليلتين. كانت الليلة بليرتين ونصف سوري، الى أن استأجرنا بيتاً في حي الشعلان. غرفتان بينهما صالة صغيرة عبارة عن ممر. في كل غرفة صوبا مازوت تعمل بالتنقيط ويخرج منها بوري للدخان.
في الليلة الأولى لنا في البيت خرجنا ثلاثتنا لنزور زملاء لنا سكنوا في نفس الحي. سهرنا وضحكنا ودعناهم وخرجنا. ولكوننا جديدين على المنطقة وأزقتها المسماة حبوبي أول وحبوبي ثاني وثالث وفيه بيتنا وكلها متشابهة، ضعنا عن بيتنا، وكلما مشينا أبعد ضعنا أكثر. كان الوقت متأخراً. لا نعرف كيف نعود الى بيت زملائنا ولا نستدل على بيتنا. هطل الضحك علينا منا. فمن غير المعقول أن نسأل أحد عن..بيتنا. صدفة ونحن نلف الأزقة وجدنا أنفسنا في زقاق البيت و..الله ستر.
أول يوم دوام بالجامعة لبسنا «اللي عالحبل «. بدلة كان سعرها أيامها ثلاثة دنانير. قميص، طبعاً أبيض وربطة عنق رفيعة على غرار ما كان يلبس شكري سرحان وحسن يوسف وأحمد رمزي وأبطال الأفلام المصرية، لكن الحذاء كان بصراحة من البالة. مش مهم، كنا نلمعه بالكيوي والفرشاة ويطلع « يوج وج « كما قال لي أبي.
كان أول مكان ندخله في مبنى الجامعة التي ترجع نواتها الى العام 1903 هو كافيتريا الجامعة. لأول مرة يرى أبناء الزرقاء شبابا وشابات يجلسون حول طاولة واحدة. دخان يتصاعد مع ضحكات عالية، و... فطور بنصف ليرة، كاسة شاي، سندويشة لبنة أو جبنة صفرا أو مكدوس.
نخرج من الكافيتريا الى المحاضرة. ندخل قاعة كبيرة، عشرون ضعف الصف في ثانوية الزرقاء. اربعمئة طالب وطالبة من شتى البلاد والمدن العرب ية جاؤوا يدرسون اللغة الانجليزية وآدابها. الدكتور تحدث حوالي الساعة ولم يقل كلمة واحدة عربية. كثيرون من الطلبة لم يفهموا كلمة واحدة من ما قاله. تجرأ بعضهم وقال : استاذ احكي بالعربي. حكى وقال : ليعلم الجميع انني لن أتحدث بالعربية سوى هذه الكلمة، من لا يعجبه يحول من الآن الى كلية أخرى.
وبالفعل حول حوالي 150 الى كليات اخرى ومنهم من عاد الى الزرقاء بخف واحد من خفي حنين !
هل أصبحتم بعثيين؟.
« يتبع «