جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«إنما يُعرف قدر الحاكم بمدى تفانيه في خدمة شعبه، لا بمدى تضحيته بمصالح الشعب لأجل مصلحته الشخصية»، غاندي.
منذ بداية طوفان الأقصى، تساءل العديد من المحللين عما إذا كان نتن ياهو يسعى لإطالة أمد الحرب لتجنب المواجهة القضائية ودخول السجن، فهل هذا التحليل دقيق أم إنه يحمل قدرًا من المبالغة؟ لنستعرض الوقائع بتمعن:
في 24 أيار 2020، بدأت محاكمة نتن ياهو في ثلاث قضايا فساد معروفة:
·القضية الأولى، القضية 1000، تتعلق بتلقيه هدايا ثمينة من رجال أعمال مقابل تقديم خدمات.
·أما القضية الثانية، القضية 2000، فتتعلق بمنحه امتيازات لصحيفة «يديعوت أحرونوت» مع تقييد الصحف المنافسة، وذلك مقابل تغطية إعلامية مواتية له ولعائلته.
·القضية الثالثة، القضية 4000، تتعلق بتقديمه تسهيلات لشركة «بيزك» للاتصالات، مقابل تغطية إعلامية إيجابية له ولأسرته في موقع «والا» الإخباري التابع للشركة.
فنتن ياهو يواجه اتهامات خطيرة تشمل الاحتيال والفساد والرشوة وخيانة الأمانة. وبينما يصر هو وأنصاره على أن هذه القضايا كيدية ذات دوافع سياسية، تُعد القضية الثالثة المتعلقة بشركة «بيزك» الأخطر بين القضايا الثلاث، حيث يرجح صدور حكم ضده فيها.
ولذلك، في عام 2023، سعى نتن ياهو لإدخال تعديلات دستورية، من شأنها حماية رئيس الوزراء من الملاحقة القضائية أثناء توليه منصبه، وتقييد صلاحيات المدعي العام والمحكمة في عزله بدعوى عدم الأهلية، من الواضح أن بعض هذه التعديلات تهدف إلى حمايته من القضايا المقامة ضده. نتيجة لذلك، انطلقت موجة احتجاجات واسعة في الكيان المحتل احتجاجًا على هذه التعديلات.
وكأن أحداث طوفان الأقصى قد جاءت كطوق نجاة له لتمنحه فرصة للتنفس، حيث تم تعليق الإجراءات القضائية ضده وجُمّدت القضايا حتى انتهاء الحرب.
أثبت طوفان الأقصى أن الكيان الصهيوني وحده هو من يسعى للتصعيد ولا أحد يريد هذه الحرب غيره، فقد أبدت إيران ضبطًا للنفس رغم الاستفزازات المتكررة، يمكن أن يسمى ذلك «صبر استراتيجي»، بينما يوجه نتن ياهو لها الضربة تلو الأخرى، حتى اضطرت في النهاية للرد بشكل مدروس ومحسوب، وألزم نتن ياهو نفسه برد كبير، ومن المرجح أن هدفه من ذلك جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة معها.
أما حزب الله، فمنذ بداية الطوفان، التزم بقواعد الاشتباك المتفق عليها، مع الحفاظ على هدفه في الضغط على الكيان الصهيوني لإيقاف المجزرة في غزة، دون الانخراط في مواجهة شاملة.
في المقابل اتبع الكيان المجرم تحت قيادة نتن ياهو سياسة تصعيدية شاملة، مستهدفًا المدنيين عن قصد، وشن حملة تدمير غير مسبوقة في غزة، استهدف كل شيء، بهدف جعلها منطقة غير قابلة للحياة. ومع ذلك، لم يحقق أيًّا من أهدافه المعلنة. وحتى اليوم، ما زال نتن ياهو يتحدث عن عدم تدمير القدرات العسكرية لحماس، والجميع يدرك أن تدمير تلك القدرات لن يتحقق إلا إذا استشهد كل سكان غزة أو تم تهجيرهم باتجاه سيناء. كما أفشل جميع مفاوضات وقف إطلاق النار حتى الآن.
وفي الوقت الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير، وظهرت انقسامات داخل حكومته، وسع نتن ياهو نطاق المواجهة لتشمل الجبهة الشمالية، متبعًا نفس السياسة التي اتبعها في غزة، من خلال استهداف المدنيين وعمليات الاغتيال وتدمير البنية التحتية. وكانت عينه على محاربة إيران، حيث سعى لاستفزها مرارًا وتكرارًا. وبالتوازي، قام بتوسيع دائرة الصراع لتشمل ست جبهات في آن واحد: غزة، لبنان، سوريا، اليمن، الضفة الغربية، وإيران. هذا التصعيد أدى إلى زيادة شعبيته، حيث قدم نفسه كزعيم قوي في مواجهة التحديات، وهو دور يجيده باحترافية كبيرة.
يحفل التاريخ بأمثلة لحكام مشابهين لنتن ياهو، فضّلوا مصالحهم الشخصية على مصالح بلدانهم، أو سعوا لتحقيق مآربهم الخاصة تحت ستار المصلحة الوطنية. منذ أسطورة نيرون الذي أحرق روما ليبني قصرًا على أنقاضها، هناك مئات الأمثلة. من بينها يزيد بن معاوية الذي قتل سيدنا الحسين واستباح المدينة المنورة لتثبيت حكمه، مما أدى إلى تفرقة المسلمين. كذلك، انفصل الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية ليتزوج من آن بولين، مفضلاً مصالحه الشخصية على استقرار الكنيسة والمجتمع، ونجد نماذج عديدة لهذا النمط من السلوك السياسي.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو جليًا أن نتن ياهو يسعى لإطالة أمد الصراع لتحقيق عدة أهداف، منها ما هو معلن كالقضاء على المقاومة وإعادة رسم خريطة المنطقة وضم أراضٍ جديدة، ومنها ما يخدم مصالحه الشخصية كالبقاء في السلطة وتجنب الملاحقة القضائية والبقاء بعيدًا عن خطر السجن. فإذا انتصر في حربه -وهو ما يحاول إثباته كل يوم- فمن المرجح أن تنتهي محاكمته إلى الأبد، إذ نادرًا ما تحاسب الدول قادتها المنتصرين. ويراهن على أن يخرج مؤيدوه للدفاع عنه باعتباره الزعيم الذي حافظ على أمنهم ومصالحهم في أوقات الأزمات.