جفرا نيوز -
د.فريال حجازي العساف
تثير تقنيات الذكاء الاصطناعي جدلا حادا حول قدرة هذه التقنيات وأثرها على مستقبل البشرية. تحدد العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان والذكاء الاصطناعي من خلال عدة محاور منها : تأثيرات الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان وحماية البيانات الخصوصية، ثم ّالتحديات الأخلاقية والقانونية باستعمالات الذكاء الاصطناعي على منظومة حقوق الإنسان، ثم الأطر التشريعية لحماية حقوق الإنسان من تأثيرات سلبية للذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو كيف يمكن موضعة حقوق الإنسان بين المرجعتين الوطنية والدولية وربطها بالجانب المتعلق بالذكاء الاصطناعي مع الإحاطة المعرفية بأسس ومرتكزات الغموض الذي يحيط بالتنبؤ بمآلات العلاقة التكاملية والتبادلية في قياس العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان وما يحيطها من تحديات وقياس على مستوى الافراد والمجتمعات سلبا وايجابا فضلا عن ظهور إشكالات على مستوى تشريعية وقضائية فضلا عن تحديات حقوقية ومعرفية آنية ومستقبلية لحماية الحقوق والحريات خاصة الشق المتعلق بحماية البيانات والخصوصية. والسؤال الاخر الذي يطرح نفسه كيف يمكن ان نتكلم عن مدى جاهزية الدول تشريعياً ومؤسسياً لخوض مغامرة الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في عدد من المجالات التنموية دول العالم وخاصة النامة منها للحد من تغول تقنيات الذكاء الاصطناعي على انتهاك حقوق الإنسان.
هنا لا بد من الإشارة الى اول قرار أممي صدر في مارس من هذا العام عن مجلس حقوق الإنسان الذي يدعو من خلاله الى اتخاذ تدابير وقائية ورقابية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، بحيث لا يطغى على حقوق الإنسان كما دعا القرار إلى تعزيز «شفافية» أنظمة الذكاء الاصطناعي وضمان أن البيانات المخصصة لهذه التكنولوجيا «تجمع وتستخدم ويتم تشاركها وتخزينها وحذفها» بطرق تتوافق مع حقوق الإنسان كما وأكد هذا القرار على أهمية «ضمان وتعزيز وحماية حقوق الإنسان طوال فترة تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي
القرار يدعو الى ضوابط تشريعية وقضائية وحمائية بشأن ربط تقنيات الذكاء الاصطناعي بمجالات حقوق الإنسان والاستثمار في فائدتها وهذ يتطلب رصد الجوانب والاثر القانوني والسياسي والتقني والبيئي من أجل الوقوف على مخرجات الذكاء الاصطناعي ثم العمل على اتخاذ القرار لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي بحيطة وحذر لحماية حقوق الإنسان على مستوى الأمم والشعوب لحماية الأجيال الحالية والمستقبلية والعمل على تحديد المفاهيم.
وهنا نطرح تساؤل عن الاليات التي يمكن ان نستثمر بها بتقنيات الذكاء الاصطناعي لفائدة تطور حقوق وليس الانتقاص منها في ظل مجموعة من الاستخدامات بحيث تكون آمنة وموثوقة فالمجتمعات اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى للوقوف ضد المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي في مقابل هي بحاجة الى تجير البحث العلمي والتعاون الدولي لسد الفجوات الرقمية وتحقيق اهداف التنمية المستدامة بين الشعوب وفق قرار الجمعية العامة ذو العلاقة بهذا الشأن.
ومن هذه الضمانات اتباع الذكاء التشريعي بما يخدم منظومة حقوق الإنسان بما يضمن حماية البيانات الشخصية والحريات عن طريق سن تشريع خاص يوضح اثر توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات حقوق الإنسان والتنمية وأثرها على انتهاك حرمة الخصوصية. كما يتطلب التعاون الدولي الى اجراء تتبع و رصد وتحليل خوارزميات واحداثيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي من خلال اعداد برامج خاصة لها تأثير على المدى المتوسط والبعيد بما يخدم معايير حقوق الإنسان و تحقيق اهداف التنمية المستدامة.
نحن بحاجة اليوم الى منتدى يقوم على التفكير الاستشرافي من اجل اليقظة التشريعية لانعكاسات اثر تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإنسانية والبشرية وحقوق الإنسان بما يضمن المساواة والعدالة بين الشعوب في ظل ما نشهده اليوم من الذكاء الاصطناعي التوليدي والأدوات التي تستخدم لتوليد الصور وغيرها من الأدوات التي تعتمد على البيانات، وتسابق الشركات لتسويق منتجاتها. كثير من الدول وأيضا الشركات تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي منذ سنوات في تنظيم العديد من الأعمال التي تطال البشرية كمواطن وكمستخدم عادي. فعلى سبيل المثال عند الطلب من موقع Mid Journey إنشاء صورة عن شخصية إرهابية، النتيجة نرى أن ملامح الشخص في الصورة التي ولدها الذكاء الاصطناعي التوليدي هي ملامح شرق أوسطية. ما يعني أن هنالك مشكلة التنميط والتحيز في تدريب الخوارزميات. بالإضافة طبعا إلى الاعتماد على البيانات دون الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الواقعية وبعدها الاجتماعي وإلى ما ذلك ما يجعلنا نطرح أسئلة عدّة مقلقة حول تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على التنميط والتحيز والاضطهاد الرقمي وكيف يمكن أن يهدد الذكاء الاصطناعي حقوق الإنسان. على النقيض من ذلك فقد سجلت تقنيات الذكاء الاصطناعي إيجابيات متقدمة منها التطورات لبرامج ChatGPT والبرامج الأخرى التي أصبحت اليوم متاحة بكلّ سهولة أمام الجمهور الأوسع نطاقًا.
خلاصة القول لابد على الشركات التقنية ان تدمج مبادئ حقوق الإنسان منذ بداية دورة حياة البرامج التقنية التي تقوم بأنتاجها سيما تلك المبادئ المتعلقة بالمبادئ التوجيهية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان الذي يحتاج هذه القطاع الى حوكمة شاملة قائمة على حقوق الإنسان بما يضمن مواءمة المعايير التنظيمية مع الأطر العالمية لحقوق الإنسان وسيادة القانون.