جفرا نيوز -
عبدالله سرور الزعبي
ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، التصريحات الصادرة عن الرئيس الايراني الاسبق لشبكة CNN التركية خلال هذا الاسبوع والمنشور في اكثر من موقع اخباري، والتي بين فيها الى الاختراق الكبير الحاصل للاجهزة الامنية في ايران، ومنها اختراق الوحدة الخاصة لمكافحة انشطة الموساد الاسرائيلي حتى وصل الامر الى رئيس الوحدة نفسها.
فاذا كان الرئيس الايراني الاسبق يتحدث عن دولة لها نظامها الامني المغلق، ومخترقة الى هذا الحد (من يدري بان تكون كافة المعلومات والمعطيات الخاصة ببرنامجها النووي والقدرات العسكرية وقدرات حلفائها قد تم تسريبها للجهة الباحثة عنها بالكامل)، فمن الطبيعي ان يكون قد تم اختراق حزب الله الى هذا المستوى العميق، الامر الذي ادى الى التخلص من قياداته بمن فيهم امينه العام، سبقها الى ذلك عملية التخلص من مقاتليه بتفجير اجهزة النداء واجهزة الاتصالات الراديوية (وهي تكنولوجيا من زمن الثورة الصناعية الثالثة، الا انه تم ادخال التعديلات التكنولوجية الحديثة عليها ليسهل عملية تنفيذ المهمة)، والتي صنفت بالناجحة بامتياز، وشكلت صدمة للعالم اجمع، واظهرت ان مستقبل الحروب اصبح لمن يمتلك القدرة التكنولوجية ويدركها. الا ان عملية الاختراق البشري والتي حددت عناصر الحزب (على الاغلب جلهم من المقاتلين) واماكن تواجدهم في منطقة جغرافية محددة (سؤال بحاجة الى اجابة كون كل من كان لديه جهاز الرد (البيجر) قتل او اصيب وتواجدوا في منطقة جغرافية محددة)، هي التي ساعدت على تنفيذ هذه العملية بدقة واحترافية متناهية.
ان عمليات الاختراق الالكتروني وباستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي عملية ليست بالجديدة على اسرائيل، وهي التي سبق ان انكشف امرها باستخدام برنامج بيغاسوس وغيرها الكثير، مع وجود الكثير من التطبيقات العالمية الشبيهة والموجودة في اجهزة الاتصال وغيرها من الاجهزة الالكترونية المختلفة والتي يستخدمها ما لا يقل عن خمسة مليار من البشر.
ان المشكلة التي تواجه الدول، لا يكمن في الية جمع المعلومات عن مختلف المستويات البشرية، بل في القدرة على سرعة تحليل كم المعلومات الضخمة الواردة من اجهزة الاتصالات الذكية وغيرها الى مراكز جمع المعلومات في الدول على مختلف مستواياتها، والتي اسست الى ظهور علم معني بمعالجة البيانات الضخمة ويدرس كتخصص في بعض الجامعات.
ان تصريحات الرئيس الايراني الاسبق وما حدث لتنظيم حزب الله منذ اسبوعين يبين حجم الاختراق الواقع في جسم محور المقاومة، الامر الذي جعل ايران وجميع دول المنطقىة يلتقطوا الاشارة وبمنتهى الوضوح، ودفع ايران الى التراجع لخطوات كبيرة، وعدم الاندفاع للمواجهه (وهي التي تعلم جيداً بان المواجهة لن تكون مع اسرائيل لوحدها) على الرغم من الخسائر التي لحقت بها (ان صح التعبير بعد ما حصل من محاولة لقطع ذرعها الخارجي الرئيسي، ويجري العمل على تدميره ان امكن)، وذلك بهدف حماية نفسها وبنيتها التحتية والاقتصادية والعسكرية وبرنامجها النووي (وهي اليوم تبحث عن الية لتنظيف جسدها من العملاء ان استطاعت). وفي نفس الوقت تبحث عن صفقة للمحافظة على ضمان وجودها كدولة فاعلة ومؤثرة في المنطقة وكقوة اقليمية (وان الرد الذي شاهدناه يوم امس، والذي اصابت شظاياه اثنين من الاردنيين ولم تصب اي من الاسرائيليين (حسب ما اعلن في المواقع الاخبارية العالمية، حيث وصف الهجوم بالفاشل من اكثر من جهه)، يعتبر رد استرتيجي ولكن ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها، وللتاكيد على ان ايران ما زال لديها القدرة على خلق التوازن وعلى الجميع ان يؤخذ بعين الاعتبار دورها المستقبلي في اعادة تشكيل المنطقة، وبنفس الوقت يبعث رسائل الى عدم الرغبة في المواجهه العسكرية المباشرة.
الا ان السؤال اليوم، هل توافق اسرائيل على ذلك؟ وهي الدولة الساعية الى توسيع رقعة الحرب تكون لها فيها اليد الطولى نظراً لما تملكه من قوة تدميرية جوية وتكنولوجيا حربية متطورة تعتمد فيها على تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والخامسة والتي لا تمتلكها دول المنطقة، وكذلك يسعى نتيناهو الى توريط امريكا باندفاعه المتهوروالمغامر مستغلاً فترة ما قبل الانتخابات فيها وانشغال روسيا في حربها وشبه حيادية الصين. الا ان ايران تعي جيداً ان اسرائيل تملك التكنولوجيا وبنفس الوقت تكنولوجيا الدول الغربية المتوفرة وتحت تصرفها، ومع وجود قيادة سياسية في اسرائيل معروفة في تطرفها واندفاعها لتنفيذ مخططاتها الاسترتيجيية في القضاء على كل من لا يتفق مع سياستها التوسعية وعلى حلم اقامة الدولة الفلسطينية وخاصة في اراضي الضفة الغربية واعادة ترتيب المنطقة، غير ابهة بردة الفعل العالمية مهما كانت (وهذا كان واضحاً في خطاب نتيناهو الاخير في هئية الامم المتحدة). كما ان نتيناهو وبما حققته له المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من انجازات فتكت بقيادات وقدرات حزب الله بفترة وجيزه (الذي كان يعتقد بانه يشكل تهديد استراتيجي لاسرائيل)، وجد فيها ضالته التي لم يستطيع تحقيقها في حربه على غزة (على الرغم من تدميرها شبهة الكامل)، اصبح يسابق الزمن لتحقيق الجزء الاكبر من مخططاته العسكرية (التي لن تتوقف عند حزب الله وجنوب لبنان، بل سيشمل الضفة الغربية وستمتد الى سوريا والحوثيين، ان موضوع الحوثيين، اعتقد ان من سيقوم بهذه المهمة الدول الغربية الكبرى للحفاظ على امن الملاحة وخطوط الامداد في البحر الاحمر) ومن الممكن ايضاً ان تصل الى العراق (وهو الذي من المفترض ان يشكل حالة توازن بين امريكا وايران) وغيرها من دول المنطقة الواقعة ضمن مخططه، لاستعادة الردع وفرض واقع جديد معتبراً نفسه بانه القائد الجيوسياسي الاعظم في المنطقة ودولته قوة الردع الاكبر فيها والقادرة على ان تقود اقتصادها عن طريق السيطرة على حقول الغاز في شرق المتوسط ومصادر الطاقة الاخرى والتجارة فيها، وذلك بهدف تسهيل اي نوع من انواع التفاوض السياسي المستقبلي الذي سيحصل اجلاً ام عاجلاً، وتسهيل عملية اعادة تشكيل المنطقة، التي تمر باخطر مرحلة لها منذ ما يزيد عن خمسة عقود من قبل المتصارعين عليها وبدون اية صعوبات (ان كان ذلك بالامكان؟).
ان اعادة تشكيل المنطقة ستكون بين مراكز القوى العالمية الغربية بقيادة الولايات المتحدة والصين وروسيا بدرجة اقل والقوى الاقليمية الفاعلة (اسرائيل وتركيا وايران) والدول العربية المعتدلة الغير راغبة في اي نوع من انواع التصعيد والمواجهات العسكرية في المنطقة، وفي مقدمتهم الاردن بقيادة جلالة الملك، الذي يدعو لحماية امن المنطقة عن طريق ايجاد الحلول السياسية لاسباب الصراع الرئيسية فيها والتي تعتبر القضية الفلسطينية ركنها الاساسي، بالاضافة الى حماية الامن الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة من شبح التطرف. الا انه ومع كل اسف يوجد بعض القوى ومنها الحكومة الاسرائيلية ترى ان مصالحها غير ذلك. اذ عملت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وخاصة الحالية منها الى افشال اية خطة لايجاد حلول سلمية تضمن اقامة الدولة الفلسطينية والتي يعتقد نتيناهو بانه تجاوز هذا الموضوع وللابد، اذ تنحصر استراتيجيته في احسن الاحوال باقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة وفي غزة فقط، منطلقاً من اتفاقية اوسلو التي تحدثت عن غزة اولاً وهو الذي يريدها بان تكون اخراً وذلك في احسن الظروف ولكن بدون اي وجود لحماس).
في ظل السيناريوهات المفتوحة للتصعيد والتي لا يعلم احد الى اي مدى قد تذهب بالمنطقة والعالم، الا ان الاردن بقيادة جلالة الملك، ما زال يمثل صوت الحكمة العالمي، والذي سبق وان حذر العالم ومنذ بداية القرن من الوصول الى مثل هذا الوضع الذي نعيشه اليوم، وهوالوضع الذي لا تحسد عليه المنطقة بكاملها، كما سبق وان حذر من ان عدم ايجاد حلول ترضي الاطراف المتنازعة سيؤدي الى انتشار التطرف بمختلف انواعه الذي قد يستشري في المنطقة كالوباء المعدي (وقد بداءنا نشاهده بين المستوطنيين اليهود في الضفة الغربية)، وسبق للمنطقة والعالم ان عاشت تطرف ما يسمى بداعش وامثالها.
ان رسائل الملك كانت وما زالت واضحة لجميع قيادات وشعوب المنطقة والعالم، بان الامن والسلم العالمي والمجتمعي لن يتحقق بترحيل الازمات او نقلها من مكان الى اخر، بل بحل جذور الصراع والمتمثل بحل القضية الفلسطينية وذلك وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وبنفس الوقت يجب ان لا يكون على حساب الغير.
اما نحن في الاردن، وفي ظل الظروف القاهرة، فاننا بامس الحاجة الى التكاتف الاجتماعي اكثر من اي وقت مضى، وان نكون السند وكما كنا دوماً للدولة وللقوات المسلحة، وعلينا التركيز على امن واستقرار الاردن، وبنفس الوقت العمل على التسريع بتنفيذ المشاريع الوطنية لتحصين الجبهة الوطنية الداخلية (في ظل وجود الكم الهائل من الاشاعات مختلفة المصادر وخاصة في ظل انتشار التطبيقات القادرة على خلق عواصف الكترونية اعلامية، يصعب مواجهتها احياناً)، وخاصة خطة الاصلاح الاقتصادي فعلاً لا قولاً، لكي يلمس المواطنيين ذلك، والعمل على زيادة وتيرة تحقيق الامن الغذائي الوطني وتسريع وتيرة الاصلاح الاداري الذي يجب ان يقوم على الكفاءة لا على المجاملة، لتحقيق الرؤى الملكية بتعزيز منعة الدولة الاردنية وحماية امنها الاستراتيجي ولكي تكون قادرة على تقديم الدعم للاشقاء في فلسطين والمحافظة على وجودهم في ارضهم كمصلحة استراتيجية عليا للدولة الاردنية.