جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«إن اغتيال قادة الحركات الأيديولوجية قد يجلب نجاحات تكتيكية، لكنه نادرًا ما يحقق انتصارات استراتيجية.»
– محمد ياغي، محلل لشؤون الشرق الأوسط.
آه، لو رأيتم المستوطن البولندي بنيامين بن صهيون ميليكوفسكي، المعروف بـ»نتن ياهو»، منتشيًا وهو يقدم نفسه كالحاكم بأمر الله في الشرق الأوسط خلال مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه انضمام جدعون ساعر إلى حكومته. يقول: «سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن خراب أرضكم، وسنكون سببًا في شرف شعبكم. سنقاتل معًا ونحقق النصر.» آه، لو سمعتموه وهو يتفاخر: «نحن نغير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وستتغير موازين القوى، لأنه في تلك اللحظة ستكون ‹إسرائيل› قد انتصرت.»
يحق له أن ينتشي، فقد قلب جميع الموازين خلال أسبوعين، من وضع مأزوم إلى بطل يقف خلفه كافة الأطياف السياسية في الكيان بدعم أمريكي غير محدود. بدأ ذلك بتفجير «بيجرات» حزب الله، وتوجه باغتيال عدوه الأول، حسن نصرالله. وهو يرى الآن أن لا شيء سيردعه عن تحقيق أهدافه التي يرتفع سقفها يومًا بعد يوم وستنتهي في طهران.
تبين أن حسن نصرالله لم يكن مختبئًا في إيران كما كان يُروج له، بل دخل في جبهة إسناد كلفته حياته. قد تكون حساباته خاطئة، إذ اعتقد أن إيران ستقف معه حتى النهاية، لكن ذلك لم يحدث. تمامًا كما قيل عن إسماعيل هنية، الذي تبين أن عائلته لم تكن تعيش في فنادق الخمس نجوم، فقد استشهد أكثر من نصفهم في غزة.
مهما اختلفت أو اتفقت معهما، فقد أثبتا أنهما رجلين عملا في العلن وتحت الشمس، ووضعا روحيهما على كفيهما!
انضم إسماعيل هنية وحسن نصرالله إلى قائمة طويلة من اغتيالات الصهاينة لرموز المقاومة، من منظمة التحرير الفلسطينية إلى حماس وحزب الله، وصولاً إلى العلماء والأدباء. يشعر الصهاينة كما شعروا دائمًا بنشوة القوة والانتصار، لكنها لم تؤدِ أبدًا إلى تحقيق أمنهم. فكما يُقال، هناك رجل في الظلام ينتظر، وخلفهم رجال قد يكونون أكثر بأسًا ممن رحلوا. وهكذا، يستمر النضال.
تهدف عمليات الاغتيال وتدمير المدن وقتل المدنيين إلى ترويع السكان وغرس الخوف في نفوسهم عبر الاستعراض العسكري والاستخباراتي، وتحقيق نصر تكتيكي. ومع ذلك، لم تؤدِ يومًا إلى هزيمة منظمات المقاومة.
إيران لن تتدخل بشكل مباشر، وستترك حزب الله يخوض معركته وحده، فقد قررت منذ زمن أنها ستحرر القدس حتى آخر مقاتل عربي. كان علينا أن ندرك أن إيران لن تدخل في أي مواجهة مع الولايات المتحدة منذ اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، وأن نتأكد من ذلك لعدم ردها أثناء طوفان الأقصى على الصفعات المتتالية التي تلقتها، وكان آخرها استهداف رجالها مع حسن نصرالله وفقدان إحدى عيني سفيرها في لبنان في «البيجرات». وأكد مرشد إيران هذا الأمر عندما صرح بأن حزب الله سيرد على اغتيال أمينه العام. لقد تعلمت إيران الدرس من الرئيس صدام حسين: لا مواجهة مع الغرب قبل امتلاك قنبلة نووية. ستحاول إرسال السلاح لحزب الله، لكنها ستواجه صعوبات بعد أن قصفت طائرات العدو المعابر وطرق إدخال السلاح. قد تندم إيران لاحقًا على هذه السياسة عندما تُقطع أوصالها قبل أن يتم الانقضاض عليها، وقد تقيم الشعوب العربية أنها كانت عقبة في طريق تسوية القضية الفلسطينية، وليست جزءًا من حلها.
أما بالنسبة لحزب الله، فمن المبكر القول إنه خسر الحرب، على الرغم من خسائره الكبيرة، بما في ذلك اغتيال ما لا يقل عن ستة عشر من كبار قادته، وتدمير نظام اتصالاته، بالإضافة إلى إضعاف قدراته الصاروخية ومحاولة جر لبنان إلى حرب أهلية طائفية بسببه. لا يزال الحزب يمتلك شبكة واسعة من الأنفاق وقدرات صاروخية كبيرة، ما قد يدفع الكيان إلى الدخول في حرب استنزاف طويلة على غرار غزة.
وإذا ما قارنا حزب الله بحماس، نرى أن حماس تعرضت لخسائر جسيمة خلال عام من الحرب، لكن الدولة المارقة لم تتمكن من هزيمتها أو التأثير على عزيمتها. ولا تزال المقاومة مستمرة حتى الآن.
السؤال المهم هو: كيف سيرد حزب الله؟
بعد أن يستعيد توازنه، سيقدم الحزب ردًا يرسل من خلاله رسالة واضحة بأنه لا يزال موجودًا ولم يُهزم. في الوقت ذاته، سيتجنب ردًا قد يعرض لبنان لمزيد من الدمار، على أمل أن ينجح في هزيمة أو استنزاف العدو في حربه البرية. وقد يشمل الرد استهداف مصالح صهيونية خارج فلسطين المحتلة، على غرار استهداف السفارة الصهيونية ومركز الجاليات اليهودية في بوينس آيرس عام 1992، الذي انتقم منه الصهاينة باغتيال عباس الموسوي، سلف حسن نصرالله. وقد يلجأ الحزب أيضًا إلى عمليات استشهادية مؤلمة، تهز الكيان وتروع سكانه، وتضغط على نتن ياهو.
فهل سيستمر نتن ياهو في نشوته هذه، أم سيتعرض لصفعة تعيده إلى أرض الواقع؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.