جفرا نيوز -
د. ماجد الخواجا
بعد أيام يعود السابع من أكتوبر ليعلن عن عام كامل من الظلم والقهر والتدمير والقتل العشوائي، عام مفجع بائس كشف عن خنوع العالم وعن التعامل بأكثر من مكيال مع ذات الحال، عام أظهر العجز الدولي والخذلان وعدم المقدرة على اتخاذ قرار بحق الغاصب المعتدي، عام حارت فيه البشرية في الكيفية التي يمكن لها أن تحافظ على أخلاقياتها العامة وقواعدها القانونية ومصداقية شرعتها العالمية، فهي بالرغم من القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو محكمة العدل الدولية وغيرها من المحافل الدولية من أجل وقف هذه الوحشية والإبادة الجماعية، إلا أنها لم تتمكن من فرض إرادتها على الكيان الغاصب الممعن في مواصلة العدوان والاستقواء على المسالمين المدنيين وعدم التمييز في القتل بين طفل وامرأة وشيخ ومريض وصاحب إعاقة، كلهم على قوائم الانتظار الوحشي الهمجي.
عام كامل لم تتوقف فيه آلة القتل للحظة، لم يتورع جيش الاحتلال من ممارسة أقذر أنواع الخراب والتدمير. عدوان أعاد غزة وأهلها ألف سنةٍ للوراء، لكن ذلك لا يعني عدم وجود صور مشرقة تمتلئ رجولات وبطولات عزّ نظيرها، لقد سطرت غزة وأهلها أسمى آيات الفخر والمجد والكرامة والصمود الأسطوري الذي عجزت أمامه آلة القتل الصهيونية من تحقيق أهدافها العدوانية. إن ما تحملته غزة في هذا العام، مع أنها في حالة من الحصار والحروب المتوالية منذ عقود عليها، ما لا تحتمله دول بمقومات جغرافية وعسكرية وبشرية تامة.
هي حرب سيخلدها التاريخ بحروف من العزّة لغزّة، هذه الأرض الشحيحة المنبسطة السهل احتلالها وتدميرها، المحاصرة من البرّ والجوّ والبحر، وقفت وتقف حتى الآن في مواجهة أعتى صنوف العدوان.
لقد جاء خطاب جلالة الملك في الأمم المتحدة بالأمس معبّراً عن كثيرٍ من أوجاع وأحلام وتطلعات العالم في مناصرة الحق ورفع الظلم والقهر، خطاب جمع في كلماته معاني إنسانية نقية تؤكد على الانحياز للخير والاستقرار والرخاء. خطاب لا ينقصه الوضوح والتأشير على الأزمة وحلّها. خطاب يحمل مرارة الواقع والخشية من مآلات المستقبل القريب بأن تشتعل المنطقة بأكملها في حرب مدمرة قد تمتد لتأخذ شكل حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر من أبناء البشر.
ليس ببعيدٍ عن المعاناة اليومية ما يجري من اعتداءات همجية من قبل الصهاينة والمستوطنين بحق أهلنا في مدن وقرى الضفة الغربية التي تشهد كل يوم اقتحام وتجريف واعتقال وقتل واغتصاب الأراضي بالقوة، فالوجع واحد والشعب والمصير واحد.
وها هو الجنوب اللبناني يدخل ساحة الحرب بكل أوزارها، لكنه ليس كحال غزّة المحاصرة من كافة الجهات والاتجاهات، بل سيكون امتداداً لتعدد الساحات، وفضاءً يقبل كل الاحتمالات.
عام من القتل والتدمير والتخريب والعبث بالقانون الإنساني، لكن ذلك يقابله تضامن غير مسبوق من قبل الشعوب الحرّة والحيّة التي خرجت مؤيدة للحق العربي الفلسطيني.
عام كامل وما زالت غزّة تقاوم صامدة شامخة تعضّ على جرحها بالنواجذ، وتنشر كرامة تكفي العالم كله.