جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت»، رفائيل إيتان، رئيس أركان الجيش الصهيوني في الثمانينيات.
بالإضافة إلى برنامج «أين أبي» – الذي سبق أن تناولته في مقال سابق – يستخدم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة برنامجًا آخر يسمى «لافندر»، لتحليل بيانات سكان غزة، ويعتمد هذا البرنامج على خوارزميات معقدة لتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية، مما يتيح له تحديد الأفراد الذين يشتبه في انتمائهم إلى جماعات ومنظمات المقاومة، يحتوي «لافندر» على قاعدة بيانات ضخمة تضم معلومات عن أكثر من 37 ألف شخص، ويقوم بتقييم كل فرد بناءً على معايير محددة، لتحديد مدى أهميتهم وخطورتهم. مما يوفر للكيان الصهيوني قائمة بأهم الأهداف التي يجب استهدافها. والأخطر من ذلك أن البرنامج يعمل بشكل آلي دون تدخل بشري، مما يؤدي إلى وقوع أخطاء فادحة وتسقط ضحيتها أعدادٌ كبيرة من المدنيين الأبرياء.
شهدت ساحة المعركة تحولاً جذريًّا في الطريقة التي يتم بها تحديد الأهداف ففي الحروب السابقة قبل السابع من أكتوبر الماضي، كان الضباط الاستخباريون البشر هم من يتولون مهمة تأكيد الأهداف، مع مراعاة الضوابط الإنسانية لحماية المدنيين. ولكن بعد طوفان الأقصى، فقد أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي تأخذ زمام المبادرة في اتخاذ القرارات الحربية دون مراعاة حماية المدنيين، وذلك بشكل مقصود بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الفلسطينيين. وهذا الأمر لا يخفيه الكيان المحتل، حيث أكده الساسة الصهاينة في تصريحاتهم أكثر من مرة.
عند تنفيذ هذه العمليات الدنيئة، يُؤخذ بعين الاعتبار الكلفة المالية لها عند اختيار الأسلحة المناسبة للأهداف المحددة، فالأهداف ذات القيمة الاستراتيجية المنخفضة غالبًا ما تستهدف بأسلحة تقليدية أقل كلفة كاستخدام القنابل «الغبية» منخفضة الكلفة لضرب الأهداف غير المهمة، مثل استهداف موظفي الخدمة المدنية والشرطة وسائقي سيارات الإسعاف، بينما تستدعي الأهداف الحيوية، استخدام أسلحة دقيقة ومرتفعة التكلفة كالقنابل الموجهة بالليزر، مثل استهداف الشهيد إسماعيل هنية أو القادة العسكريين لحماس أو حزب الله في غزة ولبنان.
وقد جمعت بعض الشهادات من الجنود الصهاينة التي تتحدث عن برامج الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الحرب على غزة؛ على سبيل المثال، يقول جندي، أُطلق عليه الاسم المستعار «ب» لإخفاء هويته، للقناة 12 الإسرائيلية: «الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو البدء في القصف مثل المجانين لمحاولة تفكيك حماس.»
وفي نفس السياق صرح جندي آخر لنفس القناة قائلاً: «لم يكن هناك نموذج واقعي، لم تكن هناك صلة بين مواقع سكن الأهداف قبل الحرب وأثناءها، في إحدى المرات قصفنا منزلًا دون أن نعرف أن هناك عدة عائلات بالداخل يختبئون معًا.»
ويتحدث جنديان إلى مجلة «+972 «، حيث يقول أحدهما: «هناك فجوة زمنية طويلة بين لحظة التعرف على الهدف من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل «لافندر» أو «أين أبي»، وبين القصف الفعلي، مما يؤدي إلى قتل عائلات بأكملها، وهذا ما قمنا به عدة مرات.»
فيما يقول الآخر -أُعطي الاسم المستعار «آنثر»-: «لقد علمنا أن الهدف كان في المنزل في الساعة الثامنة مساءً، ولكن القصف تم في الساعة الثالثة فجرًا. واكتشفنا لاحقًا أن الهدف قد غادر المنزل مع عائلته خلال هذه الفترة، وكانت هناك عائلتان أخريان بالداخل، فقُتلوا مع أطفالهم.»
وفي تصريح لضابط آخر، يقول: «إذا كان الهدف أحد كبار قادة المقاومة، يتم تقديم تقرير لتقييم الأضرار التي لحقت بالمبنى. أما في بقية الحالات، فلا يهمنا الأمر؛ بل نحصل على تقرير من سلاح الجو لمعرفة ما إذا تم تدمير المبنى أم لا!»
إذًا، نحن نشهد حربًا تتباهى بأحدث التقنيات العسكرية، من أسلحة ذكية وأنظمة حاسوبية متطورة إلى الذكاء الاصطناعي. ورغم هذا التطور المذهل، فإن هذه الحرب تتسم بوحشية تفوق ما شهدناه في القرون الوسطى. ففي أقل من عام، حصدت أرواح أكثر من مئتي ألف شهيد مدني، وهو رقم يفوق الخيال، ومُنع عن أهل غزة الطعام والشراب، ودُمّر 70% من القطاع. ورغم ذلك، يتبجح نتن ياهو ويقول: إن جيشه هو «الأكثر أخلاقية في العالم»، وأن عدد الضحايا المدنيين هو «الأقل». ثم يقوم الأوغاد بالتصفيق له!