جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14].
يبدو أن مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة على وشك الفشل، مما يعني أن الحرب ستستمر بلا شك.
لم يتعلم الكيان الصهيوني الدروس من عمه سام في حروبه السابقة، بل يكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في فيتنام وكوريا.
والدرس هو أن القوة الجوية وحدها لا تستطيع حسم المعارك!
على الرغم من تفوقها العسكري الهائل، لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق نصر حاسم في الحرب الكورية (1950-1953)؛ حيث شهدت استخدامًا هائلاً للقوة العسكرية، فقد أسقطت الولايات المتحدة ما يقرب من 635 ألف طن من القنابل التقليدية، و32 ألف طن من النابالم الحارق على كوريا الشمالية، هذا الكم الهائل من الأسلحة الحارقة أدى إلى دمار هائل في البنية التحتية المدنية والعسكرية، وحصد أرواح أكثر من مليوني شخص، ورغم هذا الدمار الشامل، لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق نصر حاسم، مما أدى إلى توقيع اتفاقية هدنة في تموز 1953، تاركة شبه الجزيرة الكورية مقسمة.
كما شهدت حرب فيتنام أيضًا استخدامًا واسعًا للقوة العسكرية؛ حيث اعتقد الأمريكيون، كما يعتقد الصهاينة اليوم أن قتلهم لعدد أكبر من قدرة حماس على التجنيد وإضعاف معنوياتهم سيؤدي إلى النصر، فالرئيس جونسون أطلق عمليته في فيتنام اسم «الرعد المتدحرج»، بينما يسمي نتنياهو الإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة باسم «السيوف الحديدية». استمرت الحرب الفيتنامية لأكثر من ثلاث سنوات ألقت خلالها الولايات المتحدة أكثر من 864 ألف طن من القنابل، في حين أسقط الكيان الصهيوني أكثر من سبعين ألف طن من القنابل. ورغم الدمار الهائل الذي أحدثته الولايات المتحدة في فيتنام، إلا أنها لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، وانتهت الحرب بانسحاب الجيش الأمريكي، وهو ما يتكرر حاليًا في غزة، حيث لم يحقق الكيان المحتل حتى الآن أيًّا من أهدافه، بل زاد من حدة الصراع مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية.
حتى يتمكن الصهاينة من تحقيق أهدافهم في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، يجب عليهم غزو القطاع بريًّا ومواجهة حماس والفصائل المسلحة الأخرى على الأرض وفي الأنفاق، لكنهم أجبن من أن يقوموا بذلك، ولا يمتلكون القدرات القتالية ولا التدريب اللازمين، فجل جيشهم مكون من قوات احتياط لا يستطيعون مواجهة مقاتلين مدربين على أرض المعركة، لذا تجدهم مختبئين في دباباتهم وعرباتهم المصفحة.
أما مستقبل الحرب بالنسبة لحماس فقد أصبح جليًّا للعيان، ورأينا الأسبوع الماضي بداية العمليات الاستشهادية في قلب تل أبيب، ورغم أنها لم تحقق الضرر المتوقع بسبب انفجارها المبكر، إلا أنها تشير بوضوح إلى أن عمليات مشابهة قادمة لا محالة.
تعلم حماس والفصائل المسلحة أن هذه العمليات تؤلم الكيان وتؤثر على قراراته السياسية ومزاج سكانه، فقد كان لهذه العمليات دورٌ حاسم في وقف العدوان الصهيوني على غزة عام 2012، وتأثير كبير على سير المفاوضات بعد انتفاضة الأقصى في عام 2000.
لذلك، إذا استمرت الحرب، فسوف يصعِّد الكيان من بربريته باستهداف المدنيين، مما ينذر باستشهاد المزيد من الأطفال والنساء، دون أن يحقق أيًّا من أهدافه. بل على العكس، هذا التصعيد سيزيد من عزيمة الشعب البطل الصامد. أما حماس، فستواصل ضربها في العمق الصهيوني من خلال العمليات الاستشهادية، محدثة أضرارًا كبيرة قد تجبر نتنياهو في النهاية على إيقاف مجزرته.
من الواضح أن الإبادة الجماعية التي تجري في غزة تخدم شخصًا واحدًا فقط، أمير الظلام نتنياهو، فالحرب فقط هي التي تبقيه على كرسيه حتى الآن، وانتهاؤها يعني أننا سنشاهده -بإذن الله تعالى- مكبلًا بالأغلال بسبب ارتكابه لجرائم حرب، وأيضًا بسبب قضايا الفساد التي تلاحقه.