جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
بدون دعم الولايات المتحدة لا يمكن «لإسرائيل» البقاء ولو ليوم واحد- بيريز
عرف الصهاينة مبكرًا أن حلمهم لن يتحقق إلا بدعم من قوة عظمى، فراهَنوا على الولايات المتحدة، التي كانت حينها القوة العالمية الصاعدة.
بدأ الوجود الصهيوني هناك في عام 1880، حيث تأسست المنظمات الداعمة للصهاينة في عدة مدن أمريكية. وفي عام 1898، عُقِد أول مؤتمر للصهيونية في الولايات المتحدة، وذلك في نيويورك في الرابع من يوليو، وهو اليوم الوطني للولايات المتحدة. وقد انبثق عن المؤتمر اتحاد الصهيونية الأمريكي (FAZ).
كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بقيام الدولة المارقة في عام 1948. وقد كتب المؤرخ اليهودي المعروف نعوم كوهين: «لولا اليهود الأمريكيون وتأثير الصهيونية على الساسة والإعلام والرأي العام هناك، لما وُلدت ‹إسرائيل› عام 1948.» ومع ذلك، كانت سياستها إلى حد ما محايدة في منطقتنا؛ إذ كانت أولوياتها حماية النفط والممرات المائية ومحاربة تمدد الشيوعية، حتى لو أدى ذلك إلى دعم الأنظمة الديكتاتورية.
في بدايات قيام المشروع الصهيوني، اعتمد الصهاينة على الاتحاد السوفييتي عبر تشيكوسلوفاكيا للحصول على السلاح، بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا. وفي عام 1956، شن الكيان الصهيوني، بمشاركة فرنسا وبريطانيا، عدوانهم الثلاثي على مصر بعد أن أمم عبد الناصر قناة السويس، لكنهم تلقوا صفعة كبيرة من الولايات المتحدة، التي أمرتهم بإيقاف الحرب.
في ستينيات القرن الماضي، لم يحظَ الكيان بمعاملة تفضيلية مقارنة بجيرانه؛ فمثلًا، كانت المساعدات الامريكية التي يتلقاها الأردن أعلى من تلك التي يتلقاها الكيان. وقبيل حرب 1967، استدعى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، المعروف بميوله الموالية للصهاينة، قادة الكيان ووبخهم على استفزازاتهم المتكررة في المنطقة. كما توترت العلاقات بين البلدين بعد أن اعتدى الصهاينة على المدمرة ليبرتي. ولكن بعد هزيمة الكيان لستة جيوش عربية في ستة أيام عام 1967، وجدت الولايات المتحدة ضالتها في الشرق الأوسط لتنفيذ سياساتها. فاختارت الدولة الصهيونية التي رأت فيها دولة عسكرية ديمقراطية يمكن تسويقها لشعوبها، وتكون قاعدة متقدمة لها لمنع التمدد السوفييتي، وشرطيًا للمنطقة، وأرضًا لاختبار الأسلحة الجديدة، ومكتبًا لجمع المعلومات. بذلك، تحول الكيان من حليف عادي إلى حليف استراتيجي.
أدرك الكيان حاجة الولايات المتحدة له ، فأفشل خطة روجرز للسلام عام 1970. ومع ذلك، سيطرت الولايات المتحدة على القرار الصهيوني؛ فمثلًا، أراد هنري كيسنجر من حرب 1973 أن تتنازل الدولة المارقة عن الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل وقف إطلاق النار، ولكن ما لم يكن في الحسبان حدث عندما تحول الانتصار المصري إلى خسارة محتملة بعد الاختراق الصهيوني للجيش المصري. عندها، تدخل كيسنجر وأوقف الحرب.
واستمر هذا الوضع أيضًا خلال حكم الرئيسين كارتر وريغان، حيث أمر الأخير الجيش الصهيوني بالانسحاب من لبنان.
وتوسعت العلاقة بين الصهاينة والولايات المتحدة في عام 1983، فوُقِّعت مذكرة تفاهم بينهما، وتشكَّلت مجموعات عسكرية مشتركة، كما أُجريت مناورات مشتركة في عام 1984. قام الكيان بتخزين أسلحة لصالح الولايات المتحدة، وتم توقيع اتفاقية التجارة الحرة في عام 1985. بعدها، بدأ الكيان بتلقي مساعدات مالية تصل إلى 3 مليارات دولار، أي ما يعادل ثلث المساعدات الأمريكية.
وحتى مع زيادة تغلغل الصهاينة داخل السياسة الامريكية، إلا أن القرار كان دومًا بيد الإدارة الأمريكية. فمثلا في عام 1990، أمر الرئيس بوش الأب الكيان بعدم الرد على صواريخ صدام حسين التي هزت حيفا المحتلة.
وأثناء حكم الرئيس بوش الابن، تمكن الصهاينة من السيطرة على إدارته وأصبح لهم القرار. حينها، بدأ الابن الضال بالتمرد على أبيه، فأفشل الكيان مفاوضات السلام مع سوريا، وصدّر طائرات بدون طيار إلى الصين، وتعاون مع فنزويلا، وبدأ العمل منفردا بعيدا عن الولايات المتحدة.
يؤمن الصهاينة بأن علاقتهم بالولايات المتحدة لها جوانب سلبية، أبرزها التأثير على قراراتهم. كما يدركون أن سطوتهم على الولايات المتحدة غير كافية لضمان استمرار دويلتهم. لذلك، سعوا إلى امتلاك قرارهم المستقل لتحقيق مصالحهم بعيدًا عن التأثير الأمريكي. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال اندماجهم في المنطقة، ومعاملة دول المنطقة لهم كدولة طبيعية، والتعاون معها في مختلف المجالات، بما في ذلك تشكيل تحالف لمواجهة إيران، العدو البديل لهم.
ولكن، بعد عملية طوفان الأقصى، رأينا كيف أن الولايات المتحدة سارعت إلى إرسال بوارجها لحماية الكيان، وقدمت له دعمًا سياسيًا وعسكريًا غير محدود، بل وتعهدت بالدفاع عنه أمام إيران. وهكذا نعود مرة أخرى إلى المربع الأول، حيث يتضح أن الكيان الصهيوني لا يستطيع العيش ولو يومًا واحدًا بدون الولايات المتحدة.
حتى لو رأينا في هذه الأيام تحكم اللوبيات الصهيونية في القرار الأمريكي، فإن اعتماد الصهاينة على الولايات المتحدة لاستمرار بقائهم أمر خطير. فالولايات المتحدة تتراجع، والمزاج الداخلي الأمريكي يتغير، وأصبح الكيان دولة مكروهة في المنطقة.
فمن نتائج عملية طوفان الأقصى أنها أعادت الابن الضال ليعيش مرة أخرى تحت جلباب أبيه!