جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
أسمع جعجعة، ولا أرى طحناً – من الأمثال العربية.
كان بإمكان الصهاينة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في أي مكان يختارونه، لكنهم اختاروا طهران لتنفيذ عمليتهم الإرهابية. السيناريو الذي رسمه الصهاينة كان واضحًا: ما إن بدأ طوفان الأقصى، حتى هرعت الولايات المتحدة لنصرة ولايتها الحادية والخمسين، فزودتها بالسلاح غير المحدود، وأدارت لها المعركة، وحمتها في المحافل الدولية. إذن، لماذا لا نستهدف إيران، ونجرّ الولايات المتحدة للدفاع عنا، فنحقق أهدافنا في إنهاء المشروع النووي الإيراني، وتقليص نفوذ ساحات المقاومة الأخرى، ومنحنا شهورًا إضافية للاستمرار في الإبادة الجماعية التي تجري في غزة؟.
منذ اليوم الأول للاغتيال، وإيران وحلفاؤها يتوعدون الكيان الصهيوني بانتقام مزلزل. ووفقًا للتقارير، فإن موعد الرد الإيراني يتزامن مع اجتماع استئناف المحادثات حول الهدنة، بناءً على طلب دول الوساطة: قطر، مصر، والولايات المتحدة، والمقرر عقده يوم غد الخميس.
والسؤال: هل سترد طهران خلال الساعات القادمة؟
من وجهة نظري، إيران لن ترد، وإن فعلت، فسيكون الرد رمزيًا فقط لأسباب عديدة:
1. أعلنت كل من الأردن والمملكة العربية السعودية أنهما لن تسمحا بأن تكون أجواؤهما ساحة للقتال بين أطراف الحرب، حفاظًا على سيادتهما وسلامة شعبيهما وتشتيت الأنظار عن الإبادة التي تجري في غزة. كما أن إيران تعلمت درسًا في مواجهة نيسان الماضية، عندما أطلقت ثلاثمئة صاروخ وطائرة مسيرة، ولم تصل الغالبية العظمى منها إلى أهدافها، ولا يبدو أن الأمر هذه المرة سيكون مختلفًا.
2. تخشى إيران من ردة الفعل الأمريكية، حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدافع عن الكيان الصهيوني، وأكبر بوارجها المسلحة بصواريخ نووية في طريقها إلى المنطقة.
3. من الواضح أن إيران فشلت في تحقيق الردع في عملية نيسان الماضية، لذا فهي تتجنب تكرار سيناريو مشابه، وتجري حساباتها بدقة لتحديد حجم الضربة التي ستكون مقبولة لدى الولايات المتحدة، وتضمن عدم دخولها في الحرب.
4. منحت الولايات المتحدة طوق نجاة للإيرانيين من خلال استئناف اجتماعات الهدنة. إذا نجحت هذه الاجتماعات في وقف الحرب، فسيُعتبر ذلك انتصارًا لإيران، يمكنها تسويقه كمبرر لعدم الانتقام من الصهاينة، وهزيمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو، الذي يعرقل الوصول إلى اتفاق.
وللإنصاف فإيقاف الحرب ضروري للولايات المتحدة، في ضوء قناعة الجيش الصهيوني والإدارة الأمريكية بأن هزيمة حماس غير ممكنة، وأن حماس ستظل موجودة بعد الحرب. كما أن مرشحة الحزب الديمقراطي لن تستطيع هزيمة ترامب إلا بأصوات العرب والمسلمين، التي قد يحصل عليها الديمقراطيون إذا ما أوقفوا الحرب.
5. لجأت إيران إلى الضغط الدبلوماسي على الصهاينة، في تغيير واضح لاستراتيجيتها في الصراع، حيث دعت وزير خارجيتنا النشيط إلى طهران، وتشهد العلاقات بين طهران والسعودية تقاربًا ملحوظًا. كما قدمت البعثة الإيرانية شكوى إلى مجلس الأمن بشأن العملية الإرهابية التي نفذها العدو الصهيوني، وأدانها جميع الأعضاء باستثناء الولايات المتحدة. وقبل ذلك، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي بيانًا يدين الصهاينة في نهاية اجتماعاتها، وكان من بين الموقعين على البيان السعودية وإيران. تسعى إيران إلى تحسين علاقاتها مع دول الجوار وعزل الكيان الصهيوني عن محيطه.
6. وجود رئيس إيراني جديد وسطي، جاء في جو من إقبال ضعيف على الانتخابات، وعد الشعب بالتركيز على القضايا الاقتصادية، وتحسين مستوى المعيشة، وخفض نسب التضخم في البلاد، بالإضافة إلى تحول إيجابي في سياسة بلاده تجاه الولايات المتحدة.
7. تعتقد النخب السياسية في طهران أن مصلحة إيران تكمن في عدم التورط الآن في حرب إقليمية كبرى غير معروفة نتائجها.
لذلك، فإن إيران في ورطة حقيقية؛ فهي لا تستطيع أن تبدو ضعيفة، وتفشل في ردع الصهاينة، وفي الوقت نفسه، لا تستطيع تنفيذ ضربة قد تُدخل المنطقة في حرب إقليمية وتزيد التوترات.
لذلك، تنسق إيران مع روسيا لتحديد شكل الضربة وحجمها، وتمنح حلفاءها، مثل الحوثيين، المجال لاستهداف السفن الحربية، وحزب الله لرفع قواعد الاشتباك. أما إيران نفسها، فمن المرجح أن تبقى بعيدة عن المشهد، أو توجه ضربة رمزية. ومع ذلك، أعتقد أنها ستنتظر نتائج اجتماعات الوسطاء لتقييم ما ستؤول إليه محادثات الهدنة قبل اتخاذ أي خطوة.
لكنني أجزم أنه عاجلًا أم آجلًا، ستجد إيران نفسها في مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني، إذ سيستمر الصهاينة في استفزاز إيران وحلفائها واغتيال قادتهم.
على الولايات المتحدة أن تحسم خيارها إما الوقوف بجانب نتن ياهو أو تجنب إشعال حرب إقليمية شاملة.