جفرا نيوز -
رشاد ابو داود
كانت المرة الأخيرة التي زارنا فيها التوجيهي قبل خمسة عشر عامًا. بدأ أول زياراته قبل أربع وعشرين سنة مع الابن الأول، ثم الثاني والثالث والرابع، والأخيرة كانت الابنة داليا. عندها قلنا الحمد لله «افتكينا من هم التوجيهي وارتحنا». ففي كل مرة كان البيت مدرسة ليس لمن سيقدم الامتحان فقط، بل لكل العائلة.
هدوء إجباري، مشي على رؤوس الأصابع، وممنوعات متعددة: لا تعلِ صوت التلفزيون، لا تطرق الباب بقوة، لا، لا، لا، إلخ. والأسئلة نفسها: درس الولد؟ نام الولد؟ خلصت البنت الكتاب؟ ووو... «لازم تصحى بدري عشان توصل الولد عالامتحان. وبعد الامتحان تجيبه».
يقدم الولد الامتحان، فتسأله: «ها، كيف قدمت؟» فيجيب: «منيح، بس...» وتقفز إلى سؤال آخر حتى لا تسمع ما بعد «بس». امتحان وراء امتحان وولد وراء ولد ووراءهم بنت. تنتهي الامتحانات وتبدأ أيام حرق الأعصاب بانتظار النتائج، أعصابك أنت وأمهم أكثر منهم. تشعر أنك قدمت التوجيهي خمس مرات بعد أول مرة قبل ما يقارب نصف قرن.
لكن توجيهي زماننا ليس كتوجيهي اليوم. لا أحسن ولا أسوأ، فلكل زمان توجيهي وطلابه. المواد كانت أقل لكنها مركزة ودسمة. النتائج كانت تُعلن في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية من عمان. تُذاع الأسماء اسمًا اسمًا. تتجمع العائلة حول راديو الترانزيستور أو راديو «الصحارة» أبو بطارية زرقاء بحجم بطارية السيارة. لكن سماع الاسم لا يشبع كرؤيته مطبوعًا. لا بد من الركض إلى أقرب مكتبة لشراء جريدة «الدفاع» أو «الجهاد» اللتين كانتا تنشران الأسماء دون المعدلات، فهذه كانت تتطلب مشوارًا آخر إلى المدرسة أو مديرية التربية.
الأغنية الموحدة التي كنت تسمعها عبر الراديو في الشوارع والبيوت والحارات كانت أغنية عبد الحليم حافظ «والناجح يرفع إيده هييييي». فكان الناجح يرفع رأسه ورأس أهله، والراسب يختبئ في مكان بعيد عن أهله.
هذه السنة، 2024، فوجئنا أن في بيتنا «توجيهي». ليس لابن أو حفيد أو ابنة، بل بمثابة ابنة وهي «هيا»، زوجة ابننا.
منذ بداية السنة قررت، وشجعناها أن تقدم التوجيهي بعد انقطاع عشر سنوات لظرف خاص، تزوجت خلالها وأصبحت أمًا وربة عائلة. اجتهدت طيلة هذه السنة منذ بدايتها وطلبت منا ألا يعلم أحد، حتى أمها وأهلها، وقالت لنا: «إن نجحت سأفرح وأعلم الجميع، وإن رسبت فلن يعرف أحد».
عشنا فترة انتظار صعبة لنفاجأ باسمها بين الناجحين في القسم الأدبي، والمفاجأة الأكبر حصولها على معدل 91.4.
فرحنا أيما فرحة بنجاح «هيا» وبزيارة التوجيهي لبيتنا بعد هذه السنين.
شكراً يا هيا، وعقبال الجامعة.