جفرا نيوز -
الدكتور راكان نايف ابو زيد
إن تحديث الادارة العامة هو جزء أساسي من منظومة التحديث والاصلاح على مستوى الدولة، فهو يتزامن مع التحديث الاقتصادي والسياسي فلا يمكن النظر الى أي عملية من عمليات الاصلاح بمفردها دون الجوانب الاخرى للاصلاح، وتطوير القطاع العام يستند بشكل رئيسي على تطوير الموارد البشرية بالدولة حيث تهدف إدارة الموارد البشرية الى تعزيز الاداء وتنمية قدرات الموظفين مما يساهم في تحقيق أهم متطلبات تحديث الادارة العامة، لذا لا بد من وضع اسس واضحة لسياسة الموارد البشرية في القطاع العام للوصول لقطاع عام قادر على مواكبة التطور الاداري والتكنولوجي.
وقد صدر بمطلع شهر تموز الحالي نظام إدارة الموارد البشرية رقم (33) لسنة 2024 وتم العمل به بتاريخ نشره بالجريدة الرسمية، حيث صدر بمقتضى المادة (120) من الدستور الاردني وهي ذات المادة التي صدر بموجبها نظام الخدمة المدنية الحالي، حيث تضمن نظام إدارة الموارد البشرية أحكاماً جديدة وقام بالغاء أحكام ومواد كانت موجودة سابقاً بنظام الخدمة المدنية، وحمل النظام الجديد في طياته الكثير من الامور الجوهرية التي تتعلق بسير المرفق العام وشؤون الموارد البشرية.
وحيث أن نظام الموارد البشرية قد تضمن بعض التعديلات الجيدة والتي تسهم في تعزيز دور الادارة العامة في اختيار شاغلي وظائف الادارة الوسطى والادارة التنفيذية، وتسهم في تعزيز مبدأ الرقابة والاستحقاق في الوظائف الاشرافية، وعدم بقاء من يشغل وظيفة إشرافية في موقعه إن كان تقيين اداءه دون المستوى المطلوب، ومن جانب آخر فقد تم إستحداث أحكام لها أثار اقتصادية واجتماعية على المدى الاستراتيجي للدولة، فمن المواد التي تم استحداثها هي المادة (67/ي) من نظام ادارة الموارد البشرية والتي حظرت على الموظف العام العمل خارج أوقات الدوام الرسمي وتحت طائلة المسؤولية التأديبية، وحيث إن الحظر أشد درجات الحظر كما يوصفه خبراء القانون الاداري، لذا فإن هذه المادة لا بد من إعادة النظر بها بشكل يحفظ حقوق الدولة وسير المرفق العام بانتظام واطراد من جهة، ومن جهة أخرى إعطاء خيار للموظف العام لتعزيز دخله بشكل لا يتعارض مع أحكام الوظيفة العامة.
إن وضع نص مجرد لمنع الموظف العام في الدولة من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي له آثار اقتصادية على جميع القطاعات في الدولة وسيؤدي لأزمة مالية للعديد من موظفي القطاع العام، لا سيما وأن العديد من الموظفين ملتزمين بقروض واقساط مستمرة ودورية، فالواجب الآن تعديل نظام ادارة الموارد البشرية بحيث يتم تنظيم عمل الموظف خارج أوقات الدوام الرسمي وفق ضوابط محددة وواضحة بحيث يكون قرار الموافقة على العمل خارج أوقات الدولة الرسمي من المرجع المختص وأن لا يؤثر على أداء الموظف لوظيفته في القطاع العام وأن لا يكون هنالك مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لصاحب العمل مع الجهة التي يعمل بها الموظف، بالاضافة لضرورة أن يكون هنالك تناسب بين طبيعة الوظيفة التي يشغلها الموظف بالدولة وطبيعة العمل خارج الدوام الرسمي، مع التأكيد على أن لا يتحصل الموظف العام على عمل خارج أوقات الدوام الرسمي منه خلال استغلال الوظيفة العامة، وأن تكون الموافقة على العمل محددة بمدة لا أن تكون بشكل مفتوح، كما يجب أن يفصح الموظف عن الدخل المتحصل من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي.
وبناء على ما سبق وللوصول لقطاع عام ممكن وفاعل لا بد من أن يتم مراجعة نظام الموارد البشرية بشكل كامل، فقد تم الغاء الترفيع الجوازي للموظفين وهو حافز رئيسي للابداع والابتكار في العمل العام، والممارسات الفضلى بادارة الموارد البشرية تؤكد على ضرورة تحفيز الموظف بشكل يسمح له بالارتقاء في السلم الوظيفي، كما أن نظام الموارد البشرية قد حد من الاجازات دون راتب وجعلها أربعة أشهر بالسنة وبما لا يزيد عن اثني عشر شهراً خلال كامل خدمة الموظف بالوظيفية العامة وهذه المادة أيضاً لها آثار اقتصادية واجتماعية، فلا بد من الاهتمام بالموظفين الاردنيين المجازين دون راتب والذين يعملوا خارج الاردن وتقديم كافة أنواع الدعم لهم كونهم رافعة من روافع الاقتصاد الاردني ويساهموا في تحويل الاموال للداخل مما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد بشكل عام، كما أن أي موظف يحصل على إجازة بدون راتب للعمل خارج البلد يسمح النظام بتعين أردني بدلاً منه تحت مسمى « بدل مجاز» مما يساهم في خفض نسب البطالة بالاضافة للأثار الاجتماعية الايجابية الاخرى، ومن هنا لا بد أيضاً من أعادة تنظيم موضوع الاجازة دون راتب وضرورة مراعاة الجوانب الاقتصادية المتلازمة معه، لذا لا بد من إجراء مراجعة شاملة لنظام الموارد البشرية للنهوض بالقطاع العام لتحقيق رؤى وتوجهات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في تحقيق الإصلاح الإداري المنشود.