جفرا نيوز -
عمر عليمات
الهجوم الذي شنه الحوثيون وسط تل أبيب عبر طائرة مسيرة والرد الإسرائيلي السريع على ذلك بقصف أهداف حيوية في اليمن منها ميناء الحديدة ينذر بتصعيد خطير في المنطقة، خاصة إذا ما استمر الطرفان في تبادل الهجمات وتوسيع نطاقها إلى النقطة التي تدفع أطرافاً أخرى إلى الانخراط في صراع تفاده الجميع بكل السبيل منذ بداية حرب غزة في أكتوبر الماضي.
الحوثيون مختلفون عن أذرع إيران الأخرى وخاصة حزب الله، فما يزال لديهم هامش كبير للتصرف دون الالتزام بتوجهات طهران، فرغم التحالف العضوي بينهما إلا أن لهم خصوصيتهم البنيوية والسيكولوجية التي تميزهم عن غيرهم من أدوات طهران في المنطقة، وهذا ما يعني أنهم يمتلكون بشكل أو آخر قرارهم الخاص، وقد يذهبون بعيداً في مواجهة اسرائيل وعدم التقيد بقواعد الاشتباك التي وضعتها كلاً من اسرائيل وإيران بشكل غير معلن.
التصعيد والانتقال إلى المواجهة المباشرة بين الحوثيين واسرائيل، قد يتحول إلى صراع إقليمي، فرغم النصيحة الأمريكية بضبط النفس وعدم الرد بشكل متسرع، إلا أن إسرائيل اختارت مهاجمة الحوثيين بطائرات حربية وبشكل استعراضي من خلال استهداف الميناء الرئيسي في الحديدة وقصف خزانات الوقود لإظهار صورة مفزعة تظهر قوة الرد الإسرائيلي، وكأنها تضع الحوثيين في زاوية ضيقة تجبرهم على الرد العسكري المباشر.
اسرائيل فشلت حتى الآن في استراتيجية جر المنطقة لحرب واسعة، فرغم كل الاغتيالات التي تمارسها ضد عناصر حزب الله وقيادته إلا أن الحزب ما زال متمسكاً بقواعد اشتباك محددة لا تعطي تل أبيب مبرراً للدخول في حرب شاملة في لبنان، وهذا ما يبدو أنه توجه إيراني كون طهران تمسك بخيوط القرار في الضاحية الجنوبية، ومن هنا قد يرى بنيامين نتنياهو في مواجهة الحوثيين فرصة مواتية لتوسيع رقعة الصراع للنزول عن شجرة غزة، والخروج من مستنقع الحرب التي لم تحقق أياً من أهدافها رغم الكلفة الإنسانية الباهظة التي يدفعها الغزيون يومياً.
النزق الإسرائيلي المدفوع بعقدة انهيار قوة الردع التي لطالما كانت عنصراً رئيسياً في استراتيجيتها الحربية، يقابله تهور حوثي ناتج عن إدارة مقدرات دولة كاملة بعقلية المليشيا، التي لا تتوانى عن اتخاذ قرارات صعبة جداً دون النظر إلى السياق العام للأحداث وتبعات ذلك على اليمن وشعبه، خاصة وأنهم يمتلكون الكثير من الأدوات للرد على اسرائيل سواء عبر توسيع نطاق استهداف السفن في البحر الأحمر أو إعادة استهداف تل أبيب وإيلات وباقي المدن بالمسيرات وصولاً إلى استهداف مصالح دول أخرى في المنطقة لخلط الأوراق.
سيناريو النزق الإسرائيلي والتهور الحوثي يتقاطع مع انغماس أمريكي بالمشهد الانتخابي، في ظل الصراع الدائر في الحزب الديمقراطي بخصوص بقاء بايدن في السباق الانتخابي أو الدفع بوجه جديد لمواجهة ترامب، بمعنى أن واشنطن لديها ما يشغلها بشكل جدي وعميق، وهذا ما يعزز من قدرة إسرائيل على فتح جبهات جديدة وتجاهل التحذيرات الأمريكية.
المنطقة أمام تحدٍ كبير، وهي تقترب بشكل أكبر من أي وقت مضى إلى الانفجار الكبير، إذ إن تقاطع التطورات الأخيرة مع الانغماس الأمريكي في الشأن الانتخابي وغرق إسرائيل في مستنقع غزة ومحاولات إيران الاستفادة من المشهد الحالي جميعها عوامل تعزز فكرة الذهاب إلى حرب شاملة لا يعرف أحد إين تقف وماذا سينتج عنها.
بالمحصلة هناك توتر خطير ونُذر حرب واسعة تلوح بالأفق، ودون إيجاد حل للصراع الأساسي ستبقى احتمالات الذهاب إلى الأسوأ قائمة وليست مجرد تنظير وتحليل سياسي.