جفرا نيوز -
د. حمزه العكاليك
في السابق، كانت الجرائم المالية في الأردن تتمحور حول الاحتيال بالشيكات والاختلاس والتزوير المادي. ومع ذلك، فتح ظهور الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والمدفوعات عبر الإنترنت والعملات الرقمية مجالا جديدا أمام المجرمين. حيث تشكل الجرائم الإلكترونية، بما في ذلك عمليات الاحتيال عبر التصيد وسرقة الهوية وغسيل الأموال من خلال الأصول الافتراضية، مصدر قلق متزايد.
أدى التحول الرقمي وتعقيد المعاملات المالية الحديثة إلى فتح أبواب جديدة للاختلاس. ففي مشهد الخدمات المصرفية الرقمية المتنامي في الأردن، يمكن أن تتحول نقرة واحدة إلى أداة لسرقة افتراضية. فيمكن للجناة استغلال الثغرات أو التلاعب بالأنظمة المعقدة لتحويل الأموال بدقة تامة مما تجعل نظرائهم من ذوي الأساليب القديمة يصابون بالدهشة.
ولقد أصبحت التقنيات الحاسوبية المتقدمة سلاحا ذا حدين بالنسبة للشركات الأردنية. ففي حين أنها تعمل على تبسيط العمليات وتعزيز الكفاءة، فإنها تخلق أيضا ثغرات لأسلوب جديد من الاحتيال المالي.
ففي عصر ما قبل الرقمنة، كانت المعلومات الشخصية كنزًا مخبأً في خزائن الملفات. أما اليوم، ومع توثيق الكثير من جوانب حياتنا عبر الإنترنت، أصبح من السهل بشكل مقلق بالنسبة للمجرمين سرقة هويتك بنقرة واحدة. وتجتذب عمليات الاحتيال عبر التصيد واستراتيجيات الهندسة الاجتماعية الأردنيين للكشف عن تفاصيلهم الشخصية من خلال رسائل البريد الإلكتروني أو التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تبدو مشروعة. بعد ذلك، يمكن استخدام هذه المعلومات المسروقة في مجموعة متنوعة من الأغراض الغير مشروعه، بدءًا من المعاملات المالية عبر الإنترنت غير المصرح بها والتي تستنزف الحسابات المصرفية وصولًا إلى إنشاء هويات مزيفة تُستخدم لمزيد من الأنشطة الإجرامية. إن استخدام كلمات مرور قوية ومصادقة ذات عاملين وتعزيز الممارسات الآمنة عبر الإنترنت كلها عناصر حيوية لحماية الأردنيين من سرقة الهوية.
ويعتمد النشاط الإجرامي على القدرة على نقل الأموال بشكل مجهول. ففي الماضي، كان هذا الأمر قد يتضمن تهريب كميات كبيرة من النقد أو إنشاء شركات وهمية معقدة. أما اليوم، يوفر العصر الرقمي للمجرمين أداة قوية: فالويب المظلم. يتيح للمجرمين في جميع أنحاء العالم نقل مبالغ كبيرة من الأموال عبر الحدود مع مستوى من السرية يجعل أساليب تطبيق القانون التقليدية أقل فعالية. تعتبر الأردن، كدولة متصلة بشبكة الإنترنت واقتصادها الرقمي النامي، عرضة بشكل خاص لهذا النوع من الجرائم المالية.
لا يمكن كسب معركة مكافحة الجرائم المالية في الأردن بمفردها. فالأمر يتطلب نهجا متعدد الجوانب يجمع بين جهود السلطات والمؤسسات المالية والجمهور الأردني. حيث تعمل الهيئات التنظيمية بلا كلل على التكيف مع المشهد المتطور، وتطبق قواعد صارمة بشأن (اعرف عميلك) (KYC) وإجراءات الامتثال لمكافحة غسل الأموال (AML). تستثمر المؤسسات المالية في تقنيات متطورة للكشف عن الأنشطة المشبوهة وتحسين مراقبة المعاملات.
الا ان هذه المعركة تتجاوز حماية محافظ الأفراد المالية. إن النظام المالي القوي الخالي من الأنشطة الإجرامية هو أساس الاقتصاد السليم. فالجرائم المالية لا تؤدي إلى سرقة الأفراد والشركات فحسب، بل إنها تؤدي أيضا إلى تقويض الثقة بالكامل في النظام المالي بأكمله. فالدفاع القوي ضد هذه الجرائم ضروري بالنسبة للأردن لجذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز ريادة الأعمال المحلية وخلق بيئة مستقرة للنمو الاقتصادي.
وبالإضافة إلى تعزيز القدرات الأمنية، يعتبر تعزيز ثقافة الامتثال داخل المؤسسات المالية أمرا بالغ الأهمية. يتطلب هذا حوارًا مستمرًا وتعاونًا بين الجهات التنظيمية والقطاع الخاص لضمان التنفيذ الفعال للوائح المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT).
علاوة على ذلك، يمكن للمؤسسات المالية المساهمة في جهود التوعية من خلال تزويد العملاء بأدوات وموارد تعليمية حول الأمن الرقمي. على سبيل المثال، يمكن للبنوك تطوير تطبيقات الهاتف المحمول أو مواقع الويب التي تقدم معلومات حول كيفية اكتشاف الاحتيال وحماية معلوماتهم الشخصية.
من خلال العمل معًا، يمكن للحكومة والمؤسسات المالية والجمهور الأردني بناء دفاع رقمي قوي ومستدام. إن تعزيز ثقافة اليقظة والتعاون هو المفتاح لمكافحة التهديدات المتطورة للجرائم المالية في العصر الرقمي. إن الأمن المالي ليس رفاهية، بل ضرورة لازدهار الاقتصاد الرقمي الأردني. وعبر الجهود المشتركة، يمكن تمهيد الطريق لمستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا وابتكارًا للاقتصاد الأردني.