جفرا نيوز -
عوني الداوود
لا يمكن نجاح الإصلاح الاقتصادي إلاّ بنجاح الإداري، والاثنان معا.. لذلك يجب المضي قدما بتنفيذ «رؤية التحديث الاقتصادي 2033» بالتوازي مع تنفيذ «خارطة طريق تحديث القطاع العام».. وأي خلل أو تأخير أو تباطؤ في تنفيذ أي من المسارين سينعكس بالضرورة سلبا على المسار الآخر.. ولتأكيد وتوضيح ما أعنيه لا بد من استعراض الأمثلة التالية:
1 - لا يمكن أن يستوعب كثير من المواطنين أهمية ومعنى النجاح برفع التصنيف الائتماني للاقتصاد الاردني خصوصا من «وكالة موديز»- على سبيل المثال - لأول مرّة منذ 21 عاما، في الوقت الذي تراجعت فيه التصنيفات الائتمانية لكثير من اقتصادات الاقليم والعالم.. إلاّ اذا لمس المواطن في المقابل تحسنا في الخدمات الإدارية التي تقدّم له في وزارات وإدارات ومؤسسات الدولة!
2 - لا يمكن أن يستوعب كثير من المواطنين التقدم في مؤشرات الخدمة الطبية والصحية وأهمية الإنجاز الذي حقّقه الأردن في مواجهة «جائحة كورونا»- على سبيل المثال - وبشهادات عالمية، إذا لم يواكب ذلك تطور وتوسّع في شمول التأمينات الصحية وتحسّن في الخدمات الطبية والصحية وزيادة في أعداد المراكز الصحية الشاملة وتقليص مدد المواعيد «بعيدة المدى» للعمليات أو حتى مواعيد مراجعات أمراض القلب والعيون ومختلف الامراض.. بدلا من أن يفاجأ بين حين وآخر بتسعيرة جديدة أو «لائحة أجور طبية» جديدة ترهق كاهل المواطنين!
3 - لا يمكن للمواطن الأردني أن يستوعب صدقية ودقّة تراجع معدلات البطالة عن معدلاتها السابقة من العام الماضي، في حين لا يزال ابنه ينتظر منذ سنوات الحصول على وظيفة يتيحها «ديوان الخدمة المدنية» الذي أصبح «هيئة الخدمة والادارة العامة»، علما بأن «التوظيف» أو خلق فرص العمل هو ركيزة أساسية في «رؤية التحديث الاقتصادي».. وستبقى هذه الركيزة تحدّ يؤرق الحكومات المتعاقبة ويقلق معظم « بيوت الأردنيين».
4 - كيف يمكن للقطاع الخاص أن يضطلع بدوره، وهو الذي تعتمد عليه رؤية التحديث الاقتصادي كثيرا من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة بـ:
- جلب استثمارات بنحو 41 مليار دينار، (73 %) تعتمد على القطاع الخاص، وخلق مليون وظيفة، (85 %) منها تعتمد على القطاع الخاص - اضافة لتخصيص 1.7 مليار دينار في موازنة 2024 للمشاريع الراسمالية.. وكثير منها يعتمد على التشاركية مع القطاع الخاص.. وفي المقابل لا يزال هذا القطاع يعاني من غيابه في «المشورة» بكثير من القوانين التي تخصّه مباشرة وتؤثر على انتاجيته وتنافسيته وقدرته على التصدير وفتح أسواق جديدة.
5 - كيف يمكن الاستفادة من المشاريع والفرص الاستثمارية الـ30 التي طرحتها وزارة الاستثمار مؤخرا وبحجم يصل لنحو 2 مليار دينار، مع استمرار شكاوى مستثمرين من بيروقراطية تعوق سرعة الانجاز؟
* الأمثلة كثيرة ومتعددة، ولكن لا بد من العودة مرّة أخرى الى ما بدأت به المقال، وهو، أنّ هدف جميع الرؤى الإصلاحية هو مصلحة المواطن وراحته و «النهوض بنوعية الحياة»- وهذا من الأهداف الاستراتيجية لرؤية التحديث الاقتصادي، لأن نوعية الحياة أو بالأحرى «جودة الحياة» تنعكس مباشرة على إنتاجية العمل.. وتسعى هذه «الركيزة» - وفقا لرؤية التحديث الاقتصادي - لتحقيق أهداف في مقدمتها : (مضاعفة نسبة الراضين عن نوعية الحياة بين الأردنيين لتصل الى 80 % في العام 2033).
- ندرك تماما بأن التحديات كبيرة، ولكنّنا نؤمن أكثر بقدرتنا على تحويلها إلى فرص، ولتحقيق ذلك علينا أن نترجم الشعارات إلى واقع يلمسه المواطن، كي يؤمن بها ويصدقها، فلن تكفي أرقام نسب الإنجاز وتقدم والمؤشرات الاقتصادية اذا لم يلمس المواطن أثرها الإيجابي.. ولا يكون ذلك - غالبا - من خلال تحسين مؤشرات أو تصنيفات تحتاج لدورة اقتصادية متكاملة وسنوات كي يلمس المواطن أثرها على الاقتصاد الكلي.. بل يحتاج الأمر إلى تطوير إداري سريع في الخدمات وتخفيف البيروقراطية - وصولا لإزالتها - مما يعزّز ويرفع ثقة المواطنين بأن الاصلاح ممكن وحقيقي وعابر للحكومات وليس مجرد شعارات.. وأن كل إصلاح اقتصادي يوازيه إصلاح إداري يسنده ويعكس آثاره على الوطن والمواطنين.