جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«ربما يكون الأمر مثل ما قاله لينين عن العِجّة والبَيض: لا يمكنك القيام بكسر نظيف دون كسر بضعة ملايين من العرب وبضعة آلاف من الأمريكيين»، ديفيد ورمزر.
سأعود بكم الى العام 1996، حيث صدرت واحدة من أهم الاستراتيجيات، وهدفها تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط حتى يصبح الكيان المحتل هو القوة المسيطرة، وحملت اسم:
A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm
من الصعب ترجمة العنوان حرفيًّا، ولكن أنسب ترجمة هي: الانفصال «النظيف»، استراتيجية جديدة لتأمين «المملكة».
وبعيدًا عن نظرية المؤامرة، فهنالك عدة مصادفات تفرض نفسها على ظروف وأحداث متعلقة بالدراسة، فالأهداف الصهيونية لا يمكن أن تتحقق بوجود إسحاق رابين، حيث إنه أراد سلامًا مع الفلسطينيين، وبدون وجود متطرف يحكم الدولة المارقة وهو نتن ياهو؛ حيث قُدِّمت له تلك الخطة قبل أشهر من استلامه أول رئاسة وزراء بعد اغتيال رابين، وما زال للآن هو الملك غير المتوج لدى الصهاينة. وكذلك فإن الباحثين الذين أعدوا الدراسة هم من المحافظين الجدد الصهاينة الذين تغلغلوا في إدارة بوش الابن وفبركوا غزو واحتلال العراق؛ فـ»ريتشارد بيرل» شغل منصب مستشار وزير الدفاع في عهد بوش الابن، و»دوجلاس فيث» عمل مع إدارة بوش مساعدًا لوزير الدفاع، ويقال إنه قام بإعادة هيكلة كل من وكالتي الاستخبارات الأمريكية والعسكرية لتتماشيا مع خلق مبررات الحرب على العراق، وهو من عرّف الجلبي على إدارة بوش، وأسس مكتب الخطط الخاصة الذي فبرك كذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقة صدام بابن لادن! ثم هنالك «ديفيد ورمزر» الذي أصبح مستشارًا لنائب الرئيس ديك تشيني.
هذه الوثيقة خطيرة شديدة العدوانية، تقترح نهجًا جديدًا لحل مشاكل الكيان الأمنية في الشرق الأوسط، فتتضمن:
-التخلص من صدام حسين تمهيدًا لاحتواء سوريا من خلال حروب بالوكالة. ولا مانع أن تتم محاربة صدام بجهد أمريكي صهيوني.
-التركيز المستمر على حيازة سوريا لأسلحة دمار شامل.
-التخلص من عدة أنظمة عربية من خلال حروب وكالة.
-إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
-السلام يشمل فقط عدة دول، وتبقى العداوة والخصومة قائمة مع العراق وسوريا وإيران.
-التنسيق مع عدة دول عربية، واستخدامها لدعم المعارضة في سوريا.
-وقد رأينا تحقق بعضٍ من توصيات الدراسة؛ كالإطاحة بالرئيس صدام حسين وتدمير العراق وإغراق سوريا في حرب أهلية طاحنة.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقد نصت الاستراتيجية على ما يلي:
-تغيير شعار السلام العادل إلى استراتيجية مبنية على توازن القوى، وإنشاء عملية سلام جديدة على أساس فكري جديد: السلام مقابل السلام! واعتبار حق الكيان بفلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.
-تنفذ هذه الخطة من خلال المذابح والقتل والترويع.
-نجاح وتفوق إسرائيل لن يتحقق بأخطاء كامب ديفيد وأوسلو، ولكن بسياسة فرق تسد وتغيير الأنظمة بحروب وقائية قذرة.
-إعادة بناء الصهيونية على أساس الإصلاح الاقتصادي، ويتم فك الارتباط المالي والسياسي بين الدولة المارقة والولايات المتحدة مع الحفاظ على شراكة أكثر نضجًا واعتمادًا على الولايات المتحدة.
-الأردن هي فلسطين.
-إدماج الكيان الغاصب في المنطقة وترؤسها لحلف لمحاربة إيران.
قبل طوفان الأقصى كانت الخطة تسير على ما يرام، ولم يتحدث أحد عن حقوق الفلسطينيين، واعترف ترامب بأن القدس هي عاصمة الكيان، كما اعترف بضم الجولان، وشاهدنا خرائط تنشر في العلن على أن جنوب الأردن هو جزء من الدولة المحتلة، وأن ترحيلاً قادمًا لأهلنا في الضفة الغربية، ووصول حكومة متطرفة للسلطة لتطبيق بنود الخطة.
ولكن جاء طوفان الأقصى، فأعاد القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول، وهدم كل ما بناه الصهاينة ومن ورائهم الولايات المتحدة، من أن الدولة المارقة لها حق طبيعي في فلسطين، وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة التي تعيش وسط الغيلان، ثم أصبحت إقامة دولة فلسطينية مطلبا، وبدأت دول عديدة بالاعتراف بها، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة لصدور قرار من مجلس الأمن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وغيرت السعودية موقفها من التطبيع، فأصبح مرتبطًا بإقامة دولة فلسطينية، وتراجعت علاقات الصهاينة مع العرب، وأصبح وجود حلف بوجود الصهاينة ضد إيران خيال، فالكيان تبين بأنه نمر من ورق بالكاد يستطيع الدفاع عن نفسه.
وبقي الكيان جزءًا لا يتجزأ من الولايات المتحدة لا يستطيع أن يعيش يومًا واحدًا بدونها، وعرف العالم متأخرًا من هو الضحية ومن هو الجلاد.
بعد طوفان الأقصى مُزّقت هذه الخطة ووضعت في مزبلة، فالطوفان قد هدم واقعًا وبنى واقعًا جديدًا، لا أحد يستطيع التنبؤ بمخرجاته.