النسخة الكاملة

القوة والنفوذ في آسيا: من سيفرض هيمنته؟

الأربعاء-2024-06-26 09:34 am
جفرا نيوز -

د. خالد وليد محمود

قبل حوالي عام من الآن، أصدر معهد (لوي) ومقره في سيدني، تقريره الأحدث حول مؤشر نفوذ القوى الدولية بالقارة الآسيوية، مسلطاً الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث اعتمد التقرير على مجموعة من البيانات التي تصنّف الدول بناءً على قدرتها على التأثير في الأحداث الدولية وتوجيه سلوك الدول الأخرى في المنطقة، كما إنه يغطي 26 دولة تمتد من باكستان في الغرب إلى روسيا في الشمال، وصولاً إلى المحيط الهادئ.

بناء على المعطيات التي وردت بهذا المؤشر أو التقرير فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر المشهد كأقوى دولة في المنطقة، متفوقة على الصين واليابان والهند وروسيا. ويرجع تفوق الولايات المتحدة إلى أدائها في ستة من المؤشرات الفرعية الثمانية التي يعتمد عليها التقرير. هذه المؤشرات تشمل القدرة الاقتصادية والعسكرية، القدرة على الصمود، الموارد المستقبلية، الشبكة الدفاعية، والتأثير الثقافي. بينما تتصدر الصين في مجالي النفوذ الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية، مما يعكس نموها السريع وقوتها المتزايدة.

فتقرير «لوي» يعتمد في تحليله على مجموعة من 133 مؤشراً لقياس القوة، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، وعدد الشركات المدرجة في قائمة فوربس 2000، وحجم صناديق الثروة السيادية. تشمل المؤشرات أيضاً عوامل مثل عدد السفارات وعدد مرات البحث على الإنترنت، وحتى عدد ناطحات السحاب، والتي تعتبر رمزاً للهيبة الاقتصادية والديناميكية.

أبعاد توازن القوى في آسيا

أحد أهم الجوانب التي يبرزها التقرير هو دور الدول المتوسطة مثل اليابان والهند وروسيا. على الرغم من تصدر الولايات المتحدة والصين للمشهد، تلعب هذه الدول دوراً حيوياً في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة. على سبيل المثال، أستراليا جاءت في المرتبة السادسة متفوقة على كوريا الجنوبية، واقتربت من روسيا التي تأثرت بوضوح نتيجة الحرب في أوكرانيا.

بينما تبقى الصين تستمد قوتها من موقعها المركزي في النظام الاقتصادي العالمي، بينما تعتمد الولايات المتحدة على قوتها العسكرية وشبكات الدفاع الإقليمية. هذا التوازن غير المستقر بين القوى العظمى يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية في المنطقة وتعكس عدم اليقين بشأن قدرة الدولتين على الحفاظ على توازن القوى دون الانجرار إلى مواجهات مباشرة.

نحو نظام متعدد الأقطاب؟

من اللافت للنظر أن «القرن الصيني» لم يعد السيناريو الأكثر ترجيحاً. فمن غير المتوقع حسب المعطيات أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الحالي، وإذا حدث ذلك في المستقبل، فمن المحتمل أن تواجه تحديات مشابهة لتلك التي واجهتها الولايات المتحدة في الماضي. هذا يفتح المجال لسيناريو بديل يتمثل في منطقة متعددة الأقطاب، تقودها مجموعة من القوى الكبرى.

في هذا السياق، وهو ما يبرزه تقرير «لوي» تصبح تصرفات وخيارات الدول المتوسطة أكثر أهمية في تشكيل طبيعة النظام الإقليمي. هذه الدول تلعب دوراً حاسماً في تعزيز استقرار المنطقة والتعاون بين القوى المختلفة، مما قد يساهم في تجنب الصراعات المباشرة والعمل نحو حلول مشتركة.

عود على بدء يبرز تقرير معهد لوي تعقيدات توازنات القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في ظل التنافس المستمر وعدم قدرة أي من القوى الكبرى على تحقيق الهيمنة الكاملة.

وعليه؛ فمن المتوقع أن يشهد المستقبل تحولات مهمة في التنافس الإقليمي، مع تطور تحالفات جديدة وتغير في موازين القوى. إذ يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن يلعبا دوراً متزايد الأهمية في تعزيز قدرات الدول، مما قد يغير من ديناميكيات القوة، كما أن التحديات العالمية المشتركة مثل التغير المناخي والأمن السيبراني قد تدفع الدول نحو مزيد من التعاون وتنسيق الجهود.

ومهما يكن من أمر؛ ستظل منطقة المحيطين الهندي والهادئ محوراً رئيسياً للتنافس والتعاون، ومراقبة تطوراتها ستكون أساسية لفهم مستقبل النظام الدولي بشكل عام. وقد جاء مؤشر «لوي» ليسلط الضوء على حجم نفوذ القوى الدولية في آسيا ومستقبلها؛ فأهميته تبدو كبيرة كونه يوفر تحليلاً شاملاً ودقيقاً لتوازنات القوى في منطقة حيوية ومتنافسة جيوسياسياً مثل المحيطين الهندي والهادئ، ويعكس القدرة النسبية للدول على التأثير في الأحداث الدولية وتوجيه السياسات، مما يساعد الحكومات وصناع القرار على فهم الديناميكيات المعقدة للمنطقة، وتحديد التهديدات والفرص الاستراتيجية، وتطوير سياسات فعالة للتعامل مع المنافسات والتعاونات الدولية. كما يساهم في توفير رؤى معمقة للباحثين والمحللين حول التطورات الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالشكل الذي يدعم الدراسات الأكاديمية والتحليلات المستقبلية للعلاقات الدولية ونفوذ القوى العظمى والصاعدة عسكريا واقتصاديا وثقافيا ودبلوماسيا ويطرح سؤالاً: لمن ستكون الغلبة واليد الطولى في فرض النفوذ بالمنطقة الآسيوية مستقبلاً في ظل التنافس الصيني الأمريكي؟

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير