جفرا نيوز -
رمزي الغزوي
ذات ترف اقترح واحد من الإقطاعيين أوروبي العصور الوسطى، وهم من يُطلق عليهم لقب «أصحاب الدماء الزرقاء» أن يهاجر الفقراء المجاورين لقصره في الشتاء إلى أفريقيا سعياً وراء هبة الدفء، بدل أن يهلكوا قبضاتهم في طرق أبوابه متسولين جذوة نار، أو مجة نبيذ، أو كسرة خبز.
وذات جنون أحمر ملتهب تمنّى صديق لنا أن يكون بثلاثة قلوب وافية الحجرات كالأخطبوط؛ علّه يغدو قادرا على هضم عالم عسير الاستيعاب والفهم، لا أن يحبه أو يتقبله. ساعتها ضحكنا بقلوبنا الراقصة ونحن نشرح له أن دمه سيكون أزرق اللون، إن تحققت أمنيته العجيبة الغريبة تلك. فالأخطبوط - يا صاحب الأماني الكبيرات- هذا الكائن الثماني الأذرع لم يستطع أن يتجاوز محنة قلوبه الكثيرة المثيرة للشفقة، والتي تخور قواها سريعا، إلا بتحوّل دمه إلى اللون الأزرق المليء بذرات النحاس؛ كي يفيها بعض حقها من الأكسجين.
عندها خرج شاتما مزمجرا إننا نحاصره ونضيّق عليه حتى في أمنياته السخيفة الخفيفة، ثم لكم الحائط بقبضته قائلا إنه يتمنى أن يصبح دباً أسود مجنوناً؛ ليكيل لنا بكفه اليسرى ما يشفي غليله من اللكمات الوافيات، وأن يدخل بعدها في نوبة سبات عميمة لا يسمع فيها إلا هسيس أنفاسه الصغيرات.
في مساء ذلك النهار بعثت إلى صديقي الغاضب رابط خبر علمي جديد يقول إن في دماء الدببة شيئا يسمح لها بالسبات لمدة سبعة أشهر في السنة، مع حفاظها على لياقتها وصحتها وقدرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية بكامل كتلتها العضلية وقواها الكبيرة.
لم أنتظر إلا بضعة دقائق حتى جاء الرد مع وجوه صغيرة ضاحكة « كنتم تعيبون علي حلمي الدبدوبي، عدا عن محاصرتكم لي في أحلامي وأفكاري المجنونة. أنا الآن يا صديقي أريد أن أزرع مصل هذه الدببة كلها كلها في حجرات دمي وجسدي وأفكاري. أريد دماءها لتجري في نهر عروقي وتصبغ ماءها بأي لون كان، حتى بالأزرق الغريب.
أريد أن أدخل في سبات طوييييييييل صرت أشتهيه في عالم لم يزدد، حتى بعد ثلاثين سنة، إلا غربة وتغريبا وعسر هضم وسوء حياة. أريد أن أفيق من سباتي وأرى الحرب الشمطاء تجر أذيال خيبتها في رمادها البارد البغيض.
كتبت له مع قلوب حمراء كثيرة: يا رجل. ما زلت كما كنت نقيا طيبا وحالما مجنونا. هذا العالم يا صاحبي لا يحتاج إلى سبات فوق سباته البهيم المستديم. هو يحتاج إلى لكمة كتلك التي لكمت بها الحائط ذات قهر. يحتاج إلى مزيد منها على رؤوس أصحاب الدماء الزرقاء؛ علهم يفيقون، أو يفيق العالم على صراخهم الأليم.