جفرا نيوز -
رشاد ابو داود
كلما تقدم بي العمر أشد الزمن من كتفه، أقول له تمهل، لم أعد قادراً على اللحاق بك، لست كما زمان أسابقك فأسبقك، أصل قبلك، أجلس على كرسي من جلد فاخر، أضع رجلاً على رجل، لا أفكر بالمخلوق الذي كان داخل هذا الجلد ولا بالمخلوقات التي آذيتها وأوقعتها أرضاً في السباق إلى.. إلى ماذا؟.
يضحك الزمن، بل يقهقه بأعلى صوته ويقول : كنت أعلم النتيجة منذ البداية وأعلم النهاية، نهايتكم كلكم أيها البشر. وكنت اضحك وأقول : ما بهم يتسابقون، يكذبون وينافقون ويسرقون ويجمعون المال بينما الواحد منهم ليس له إلا فم واحد ليأكل، ولا يحتاج الا لسرير واحد لينام وفي النهاية يذهب الى النهاية بلا شيء، لا شيء سوى قطعة قماش بيضاء بلا جيوب !.
لكن الحياة صعبة واذا لم تسبق غيرك خسرت رزقك، تقول له، للزمن: لقد علمونا أن «من سبق لبق «، صدقناهم، ركضنا و لهثنا وتعبنا وها نحن نجلس على حافة العمر نتمنى لو يعود العمر. نستمع الى أم كلثوم «عايزنا نرجع زي زمان؟ قول للزمان ارجع يا زمان».
يقول : هل تعلم أين ذهب رزقك؟ لقد سرقه غيرك كما أنت تسرق في السباق رزق غيرك، انكم تسرقون بعضكم فتخسرون كلكم، الرابح منكم خسران، ولو اقتنعتم كلكم بما قسم لكم لكان كل واحد منكم ربحان.
في شبابكم تعملون على جمع المال على حساب صحتكم و سعادتكم وعندما تكبرون تدفعون كل المال من أجل صحتكم، وتتمنون أن يدق جرس بابكم أحد الذين كانوا يزورونكم كل يوم. كنتم ترتدون الملابس من أفخم الماركات واليوم تمضون نهاركم بملابس النوم، تقلبون محطات التلفزيون، تطفئون الأضواء الزائدة عن الحاجة حتى لا تزيد فاتورة الكهرباء، تحتاجون القريب من مقعدكم أن يقول لك ماذا قال الأبعد، فلم تعد تسمع جيداً، ولا ترى جيداً، ولا.. تعيش جيداً.
اسمع ما يقوله الممثل الأميركي الشهير كلينت ايستوود بطل افلام الكاوبوي في الخمسينيات والستينيات وهو يبلغ الخامسة والتسعين من العمر» مرعب هو التقدم في العمر. ها أنتم ترون كل شيء بأعينكم - يقصد نفسه – عظام لا تتحرك بليونة، العينان متعبتان من الضوء، الرئتان تبحثان عن تنفس عميق بصعوبة، لكن ما هو مرعب أكثر أن تتقدم في العمر ولا تجد أحداً ممن تحبهم قربك، يستمع لقصص تاريخك المليء بالبطولات الوهمية وانت تعلم انه غير مهتم، لكن تستمتع كجد في ما تنقله لأحفادك.
وعن الوحدة يقول ايستوود : مرعب أن تكون وحدك بعد أن كان الجميع يبحث عنك، وبعد قضاء عمرك تبحث عن الضوء ولم تنتبه الى أن تكون أسرة وعشت في الظلام حين احتجت الى يد تدلك على الضوء، فالجري خلف الشهرة كالرماد الذي نفخت فيه الريح، فلا اشعل ناراً ولا ظل ثابتاً في مكانه.
بعضنا في زحمة الحياة ينسى أن يعيش، البعض الآخر يعيش بالطول وبالعرض وينسى عمق القبر الذي ينتظره.
وكم من مسؤول و مشهور يتمنى أن يدق جرس بابه بعد أن تحولت عنه الأضواء ولم يعد لا مسؤولاً ولا مشهوراً ولا مذكوراً !